لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١).
بهذه الروح الإنسانيّة الرحبة الآفاق دعا الإسلام إلى النظر إلى اختلاف القبائل والشعوب ، وبهذه الروح الإنسانيّة الرحبة حاول الإسلام أن يجعل من القبائل العربية المسلمة أمّة واحدة لا يمزّقها التناحر القبلي الجاهلي ، وإنّما تربط بين أفرادها أخوّة الإسلام ، ورسالة الإسلام ، وحاول أن يجعل من المسلمين جميعاً ـ على اختلاف أوطانهم ولغاتهم ـ أمّة واحدة متماسكة ، تجمعها وحدة العقيدة ، ووحدة الهدف والمصير.
وقد عمل النبي صلىاللهعليهوآله طيلة حياته بأقواله وأعماله على تركيز هذه النظرة الإسلاميّة في وجدان المسلمين ، وجعلها حقيقة حيّة في تفكيرهم ، وتابعه على ذلك علي عليهالسلام ؛ فعمل على تركيزها بأعماله وأقواله طيلة حياته ، بعد أن شهد عهد عثمان انحرافاً خطيراً عن هذه النظرة الإسلاميّة ، واتجاهاً خطيراً نحو الروح الجاهلي والعصبية القبلية التي اتّبعها هو وعمّاله (٢). ولا نزال حتّى اليوم نحس بحرارة نضال علي عليهالسلام في هذا المجال ، وإنْ ما سلم من أيدي الحوادث من آثار علي عليهالسلام الكلامية في هذا الموضوع على قلّته ليدلّنا على عمق النظرة التي نظر بها علي عليهالسلام إلى التكوين القبلي للمجتمع ، ويدلّنا على وعيه لمدى خطر هذا التكوين القبلي على المجتمع
__________________
(١) الحجرات ـ ١٣ ـ
(٢) قد بيّنا في صدر هذه الرسالة أنّ الروح القبلية بُعثت في وقت مبكر جدّاً بالنسبة إلى هذا التاريخ. نعم ، يُعتبر عهد عثمان عهد استفحالها وظهور آثارها الوبيلة في المجتمع الإسلامي ، وقد ظهرت هذه العصبيّة من عثمان حينما حكّم بني اُميّة في رقاب الناس ، وقد اعتبر كثير من المسلمين في هذا العمل تعصّباً قبلياً مجافياً لروح الإسلام. ومن سعيد بن العاص والي الكوفة يوم قال في ملأ من رجال القبائل ردّاً على أحدهم : «إنّما السواد بستان لقريش». فردّ عليه الأشتر النخعي قائلاً : «أتزعم أنّ السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا لك ولقومك؟!». فوقعت الوحشة بين قريش وسائر القبائل من ذلك الحين. انظر : التمدن الإسلامي ـ زيدان ٤ / ٥٧ ـ ٥٨. أضف إلى هذا سلوك معاوية في الشام وعبد الله بن سعد بن أبي شرح في مصر ، وعبد الله بن عامر في البصرة.