خسيس من غطفان ، فإن رأيت أن تُقيدنا من أسماء بن خارجة. فحمّقهم معاوية. وقال كثير بن شهاب : والله لا أستقيدها إلاّ من سيد مضر. فغضب معاوية ، وأمّن عبد الله وأطلقه ، وأبطل ما فعله بابن شهاب فلم يقتصّ ولا أخذ له عقلاً (١).
وحين تعرف أنّ أشدّ الناس إخلاصاً لعلي عليهالسلام في العراق كانوا من قبائل اليمن ، يتّضح لنا لماذا يتعصّب معاوية لمضر العراق على يمن العراق. هذا بالإضافة إلى أنّ السلطة حين تكفّ عن أن تكون حكماً بين القبائل في منازعاتها تسعى هذه القبائل إلى أن تقتصّ لنفسها ، وتتناحر فيما بينها ، وهي النتيجة التي يطمح إليها معاوية.
أمّا في الشام فتراه يتعصّب لليمن على مضر ؛ فقد تقرّب إلى قبيلة كلب اليمانية فتزوّج ميسون اُمّ يزيد ، وهي ابنة بجدل زعيم قبيلة كلب ، وزوّج ابنه يزيد من هذه القبيلة أيضاً. وقد اعتمد حروبه ومؤامراته على هذه القبيلة وعلى قبائل اليمن الأخرى : عكّ ، والسكاسك ، والسكون ، وغسّان وغيرها ، واضطهد مضر الشام فلم يفرض عطاءً لقيس وهي من مضر ؛ لثقته العظيمة بكفاءة أنصاره اليمانيين. وهكذا مسكين الدارمي ، وهو شاعر يخشى لسانه ويُرجى ، طلب من معاوية أن يفرض له في العطاء فلم يجبه إلى ذلك ؛ لأنّه مضري ، فقال شعراً يرقق به قلب معاوية فلم يلتفت إليه. وقد سببت هذه المحاباة اعتزاز اليمن ، فاشتدّ بأسها ، واستطالت على الدولة ، وتضعضعت قيس وسائر عدنان ، وسمع معاوية كلمة من بعض أهل اليمن أثارت مخاوفه ، فرأى أن يضرب اليمانيين بالمضريِّين ، ففرض من وقته لأربعة آلاف من قيس وغيرها من عدنان ، وبعث إلى مسكين يقول له :
«لقد فرضنا لك وأنت في بلدك ؛ فإن شئت أن تقيم بها
__________________
(١) تاريخ الشعر السياسي : ١٦٠ ـ ١٦١.