على السلف ، وكأنّي أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ، فقد رأيت أن أقتل شطراً ، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق».
وكان هذا الموقف العدائي من الموالي سبباً في امتهانهم وإرهاقهم بالضرائب ، وفرض الجزية والخراج عليهم ، وإسقاطهم من العطاء ، فكان الجنود الموالي يُقاتلون من غير عطاء. وكانوا يقولون : لا يقطع الصلاة إلاّ ثلاثة ؛ حمار ، أو كلب ، أو مولى (٣). وكانوا لا يُكنّونهم بالكُنى ، ولا يدعونهم إلاّ بالأسماء والألقاب ، ولا يمشون في الصف معهم ، ولا يُقدّمونهم في الموكب ، وإن حضروا طعاماً قاموا على رؤوسهم ، وإن أطعموا المولى لسُنّه وفضله وعلمه أجلسوه على طريق الخبّاز ؛ لئلاّ يخفى على الناظر أنّه ليس من العرب ، ولا يدعونهم يُصلّون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب وإن كان غَريراً.
وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها ، إنّما يخطبها إلى مواليها ، فإن رضي مولاها زوّجت وإلاّ فلا. وإن زوّجها الأب أو الأخ بغير إذن مواليه فُسخ النكاح ، وإن كان قد دخل بها عُدّ ذلك سفاحاً. وإذا أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولىً دفعه إليه ليحمله عنه فلا يمتنع ، ولا السلطان يُغيّر عليه ، وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزل فعل (١).
وقد سبّب هذا الموقف اللاإنساني من الموالي شقّ عصا المسلمين ، وتراكم الأحقاد والعداوات بينهم ، وكان سبباً في انعدام الرقابة الشعبية على الحاكمين.
* * *
وقد استمر هذا الداء الوبيل ينخر في جسم الأمّة الإسلاميّة حتّى مزّقها
__________________
(١) العقد الفريد ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وضحي الإسلام ١ ـ ١٨ ـ ٣٤ والتمدن الإسلامي ٤ / ٦٠ ـ ٦٤ و ٩١ ـ ٩٦.