وممّا يتصل بهذا ما تكشف عنه بعض النصوص أنّ من ملامح سياسة معاوية وجهازه إلغاء الرموز ذات المحتوى التأريخي الذي يعبّر عن قيمة دينية معينة ذات أثر اجتماعي ، وذلك بما يعكسه الرمز ويثيره في الأذهان من صور تأريخيّة تتّصل بحياة النبي صلىاللهعليهوآله ، وبالكفاح من أجل انتصار الإسلام.
من هذه السياسة ما يكشف عنه النصّ الذي يتضمّن أنّ معاوية وعمرو بن العاص أرادا أن يختبرا إمكانية إلغاء اسم «الأنصار» الذي اشتهر به الأوس والخزرج منذ عهد الرسول صلىاللهعليهوآله ، وورد في القرآن الكريم اسماً لمسلمي المدينة كما كان اسم «المهاجرين» لمسلمي مكة قبل الهجرة (١).
ولا بدّ أنّ هدف هذه المحاولة هو تجريد الأنصار من القوّة المعنوية التي يسبغها هذا اللقب عليهم.
قال عمرو لمعاوية :
«ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ أردد القوم إلى أنسابهم. فقال معاوية : إنّي أخاف من ذلك الشَّنعة. فقال : هي كلمة تقولها ، إن مضت عضّتهم ونقّصتهم».
ولكنّ الأنصار انتبهوا للمحاولة ، فردّوها بحزم (٢).
وقد خلقت لنا هذه المدرسة ـ مدرسة معاوية في الرواية والحديث ـ ألواناً من الأحاديث النبويّة.
__________________
(١) ورد لقب الأنصار في القرآن الكريم مرتين مقروناً بالمهاجرين في آيتين من سورة التوبة ، تضمّنتا مدح الله تعالى لهم وثناءه عليهم : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الآية ١٠٠ ، و (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الآية ١١٧.
(٢) أبو الفرج الاصبهاني : الأغاني ، طبعة دار الكتب : ١٦ / ٤٢ ـ ٤٣ و ٤٨.