منها ما يرجع إلى القدح في علي وآل بيته عليهمالسلام ، وقد استفرغ معاوية غاية وسعه في هذا الميدان الذي قدّمنا لك آنفاً تعريفاً بأسلوب معاوية في خوضه (١).
ومنها ما يرجع إلى تمجيد بني اُميّة ـ وعلى الأخص عثمان ومعاوية ـ ويجعلهم في مرتبة القدّيسين ، كهذا الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله :
«إنّ الله ائتمن على وحيه ثلاثاً ؛ أنا ، وجبرئيل ، ومعاوية».
وأنّ النبي صلىاللهعليهوآله ناول معاوية سهماً ، فقال له :
«خذ هذا حتّى تلقاني في الجنّة» و «أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها»
وتلقون من بعدي اختلافاً وفتنة ، فقال له قائل من الناس : فمَنْ لنا يا رسول الله؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، يشير بذلك إلى عثمان.
ومنها ما يُحذّر المسلمين من الثورة ، ويزيّن لهم الرضوخ ، ويوهمهم أنّ الثورة على الظلم ، والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل مخالف للدين. وبديهي أنّ شيئاً من ذلك لم يصدر عن الله ولا عن رسوله. ومن هذه الأحاديث ما عن عبد الله بن عمر ، قال :
__________________
(١) ويظهر أنّ هذا الاتجاه اعتُبر سياسة ثابتة في مهمات الدولة الثقافية ، فنجد أنّ هشام بن عبد الملك طلب من ابن شهاب الزهري أن يقول في قوله تعالى : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور / ١١ ، أي الذي تولّى كبره هو علي بن أبي طالب ، فأبى وقال : هو عبد الله بن أبي سلول. وعندما طلب خالد من عبد الله القسري ـ والي العراق في عهد هشام بن عبد الملك ـ من ابن شهاب الزهري أن يكتب سيرة النبي صلىاللهعليهوآله ، يقول ابن شهاب : «فقلت له : فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب فأذكره؟» ، ولكنّ خالداً القسري رفض أن يأذن لابن شهاب في ذكر علي عليهالسلام إلاّ إذا كان ذكره يتضمّن قدحاً وذمّاً.
الدكتور أحمد أمين : ضحى الإسلام (الطبعة الخامسة) ٢ / ٣٢٦ ، نقله عن الأغاني ١٩ / ٥٩.