وقد استغل الشعر إلى جانب النصوص الدينية في سبيل تعزيز هذه الأفكار ، فقد كان معاوية ـ كما يقول بروكلمان ـ قادراً على أن يفيد ممّا لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام بسبيل مصالحه العائلية (١).
فكان معاوية ـ وملوك بني اُميّة من بعده ـ يسعون راضين شعراءهم بل ويحملون هؤلاء الشعراء على أن يقولوا الشعر الذي يُمجّدونهم فيه بنعوت تجعل سلطانهم وسيادتهم قدراً مقدوراً من الله ، ومن أجل ذلك لا يمكن أن يثور المؤمن ضدّهم.
فمعاوية عند الأخطل ليس ملكاً كما وصف نفسه في ساعة من ساعات سهوه ، بل خليفة الله ، والظفر الذي حازه ليس ناشئاً من أسبابه الطبيعية وإنّما هو من صنع الله :
إلى امرئ لا تعدينا نوافلُه |
|
أظفرهُ اللهُ فليهنأ لهُ الظفرُ |
الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائرُه |
|
خليفةُ اللهِ يُستسقى بهِ المطرُ |
ولم يُفضل الاُمويّون غيرهم ـ عند الأخطل ـ بماضيهم المجيد في الجاهليّة ولا بسخائهم ، ولا بنجدتهم وشجاعتهم ، وإنّما فضّلهم الله. ولم يكن رفع المصاحف في صفّين خدعة تفتّق عنها ذهن ابن العاص ، وإنّما هو إلهام من الله. وأخيراً فالله هو الذي مكّنهم من الثأر لعثمان حين أوصلهم إلى سدّة الحكم :
تمّت جدودُهمُ واللهُ فضّلهمْ |
|
وجدُّ قومٍ سواهم خاملٌ نكدُ |
همُ الذينَ أجابَ اللهُ دعوتهمْ |
|
لمّا تلاقت نواصي الخيلِ واجتلدوا |
ويوم صفّين والأبصارُ خاشعةٌ |
|
أمدّهم إذ دُعوا من ربّهم مددُ |
على الاُلى قتلوا عثمانَ مظلمةً |
|
لم ينههم نشدٌ عنهُ وقد نُشدوا |
والأخطل كسائر شعراء عصره ذو روح جاهليّة تعرف الفضل
__________________
(١) تاريخ الشعوب الإسلامية ١ / ١٤٨.