وهنا قد يخطر في البال : أنّ قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) (١) دالٌ على حصول الذلّة لجيش النبيّ صلىاللهعليهوآله في واقعة بدر.
وإذا صحّ وصف جيش النبيّ صلىاللهعليهوآله بذلك صحّ وصف غيره بطريق أولى ، فلماذا نتحاشى عن وصف الحسين وجيشه بالذلّة؟
وجوابهُ : أنّ الآية الكريمة غير دالّة أصلاً على ثبوت الذلّة بمعنى المهانة للنبي صلىاللهعليهوآله وجيشه ، ولو دلّت على ذلك لوجبَ تأويلها بما يناسب الحال ، شأنها في ذلك شأن الظواهر القرآنيّة التي دلّ الدليل على عدم إمكان التعبّد بمظاهرها ، وذلك من وجوه :
الوجهُ الأوّل : إنّ المنظور هو الذلّة بالمعنى العرفي ، يعني أنّ الانطباع هو ذلك بغضّ النظر عن الإحساس به ، وذلك مثل قوله تعالى :
(وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ) (٢) ، وهذا تعبيرٌ عن انطباع معيّن يمكن التعبير عنه بالذلّة مجازاً ، بعد النظر إلى قلّة المسلمين وضعفهم تجاه عدد الكفّار وعدّتهم وجبروتهم.
الوجهُ الثاني : إنّ المنظور في الآية الكريمة هو الذلّة لولا العناية الإلهيّة ، وبالاستقلال عنها ، وإلاّ فمن غير المحتمل حصول الذلّة مع وجود تلك العناية ، ولا شكّ أنّ تلك العناية موجودة باستمرارٍ مع طرف الحقّ ، سواء كان الرسول صلىاللهعليهوآله ، أو الحسين عليهالسلام ، أو أيّ شخصٍ آخر مهم دينيّاً أو إلهيّاً.
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ١٢٣.
(٢) سورة الأنفال : آية ٢٦.