أوّلاً : قال تعالى : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (١) ، إذاً فالبلاء أو أيّ شيء آخر لا يكون إلاّ بمقدار التحمّل ، ويستحيل أن يكون أكثر من ذلك ، بمشيئة الله سبحانه.
ثانياً : الاستبشار الذي ذكرناهُ وكرّرنا الحديث عنه ، فإنّه ممّا يُقوّي العزيمة ويشدّ الهمّة ويمنع الانهيار ، فلا يكون لقلّة الصبر مورد بالنسبة لهم ، ليسبِّب لهم البكاء.
وأمّا السبب الأخير : وهو إقامة الحدّة على الأعداء ، فهو صحيح ، إلاّ أنّه ليس من وظيفة الشهداء أنفسهم ؛ وإنّما هي وظيفة مَن بقيَ منهم ومن ذويهم ونسائهم ، لكي يكشفوا للعالَم الخارجي عن أهميّة الأمر وعَظمة قضيّة الحسين عليهالسلام.
مضافاً إلى أنّ الأسلوب الوحيد لإقامة الحجّة ليس هو البكاء ، بل ليس هو الأسلوب الأفضل ؛ وإنّما الأسلوب الأفضل هو الكلام والإفهام ، والبكاء أسلوب صامت وسلبي مهما كان مؤثراً ، نعم ، حين لا يكون الكلام ممكناً يكون أسلوب البكاء لإقامة الحجّة متعيّناً ، وهو ما فَعلتهُ فاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد أبيها ، وفَعلتهُ زينب بنت علي (عليه وعليها السّلام) بعد أخيها الحسين وأصحابه ، وفعلهُ الإمام السجّاد عليهالسلام بعد أبيه ، إلى غير ذلك من الموارد.
وأمّا لماذا كان الكلام متعذِّراً أو صعباً بالنسبة لهؤلاء ، فهذا ما لا ينبغي أن نطيل الكلام فيه الآن.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٨٦.