ليتني أُسافر غداً ، أي أحبُّ ذلك وأرغبُ به ، ولا ربطَ له بمجرّد الاحتمال.
فالتمنّي والترجّي أمران مختلفان تماماً ، كما لا ربطَ لهُ بالأمور المستحيلة بل يستحيل أن يتعلّق التمنّي بالمستحيل.
ثالثاً : إنّ في القرآن الكريم موارد استُعملت فيها الأداة (ليت) فيما هو ممكن وليس بمستحيل ، وظاهر القرآن حُجّة على كلّ مَن يناقش في ذلك ، كقوله تعالى : (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً) (١) ، مع العلم أنّ الموت في أيّ وقتٍ ممكن بقدرة الله سبحانه ، وقوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) (٢) ، يعني : ميّتاً قد زالت معالِم قبره ، وهو أمر ممكن على أيّ حال.
بل حتّى ما يبدو مستحيلاً من الاستعمالات كقوله تعالى : (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (٣) ، وقوله تعالى : (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا) (٤) ونحوها ، إنّما تكون مستحيلة باعتبار النظام الإلهي للخلق ، لا باعتبار قدرة الله على انجاز ما يتمنّونهُ إلاّ أنّه لا يُنجّزه ؛ لأنّهم لا يستحقّون ذلك.
ومحلّ الشاهد من كلّ ذلك : أنّ التمنّي للممكن أمرٌ ممكن ، فإذا عَرفنا أن المعيّة المعنويّة مع أصحاب الحسين عليهالسلام أمر ممكن في أيّ مكانٍ وزمان ؛ لأنّها تُعبّر عن المعيّة القلبيّة والفكريّة ، وهي المعيّة الأهم والألزم ، فإذا كانت ممكنة كان تمنّيها ممكناً ، ويمكن أن يقصدها الفرد حين يقول : يا ليتنا كنّا معكم
__________________
(١) سورة مريم : آية ٢٣.
(٢) سورة النبأ : آية ٤٠.
(٣) سورة الزُخرف : آية ٣٨.
(٤) سورة الأنعام آية : ٢٧.