النساء كنّ موجودات في الخيام ، ولسنَ مُشرفات على الواقعة ولا مُتابعات للحوادث ، ولا يعرفنَ أشخاص الرجال الأجانب بأسمائهم ، فمن هذه الناحية ستكون فكرتهنّ عن التفاصيل غائمة ومُجملة لا محالة.
الأمرُ الثاني : حاصل لدى وجودهنّ في المدينة المنوّرة ، حيث كانت المصلحة الدينيّة والاجتماعيّة تقتضي إقامة المزيد من المآتم على واقعة الطف ، وإظهار المزيد من الحزن البكاء على مَن قُتل فيها ، إذاً فقد انشغَلت النساء بمهمتهنّ المقدّسة تلك ، ولم تجد إحداهنّ الفرصة الكافية لرواية التفاصيل.
القسمُ الثالث : الأطفال القلائل الذين نجوا من واقعة الطف ، واستطاعوا الهرب منها : كأحمد بن مسلم بن عقيل ، أو عادوا مع النساء : كالحسن المثنّى (١) وغيرهم (٢) ، فإنّهم أصبحوا كباراً بالتدريج ، فمن الممكن لهم عندئذٍ أن يَرووا ما رأوا وما سمعوا.
إلاّ أنّنا مع ذلك لا ينبغي أن نبالغ في إمكان أخذ التفاصيل من هؤلاء تاريخيّاً ؛ لعدّة أمور لعلّها تندرج في أمرين :
الأمرُ الأوّل : حالهم في واقعة الطف نفسها ، فإنّهم :
١ ـ كانوا محجوزين في الخيام مع النساء ولا يشاهِدون التفاصيل.
__________________
(١) الحَسَن المثنّى : ذكرهُ المفيد في الإرشاد وقال : وأمّا الحسن بن الحسن بن علي عليهالسلام ، فكان جليلاً رئيسيّاً فاضلاً ورعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين عليهالسلام في وقته ، ولهُ مع الحجّاج خبر ذكرهُ الزبير بن بكّار ، وكان قد حضرَ مع عمّه الحسين عليهالسلام الطف ، فلمّا قُتل الحسين عليهالسلام وأُسِّر الباقون من أهله ، جاءهُ أسماء بن خارجة فانتزعهُ من بين الأسرى.
وقد تزوّج من بنت عمّه فاطمة بنت الحسين عليهالسلام ، فأولدها عبد الله المحض ، وإبراهيم العمر ، والحسن المثلّث ، ومن غيرها داوود ، وجعفر ، ومحمد ، ورقيّة ، وفاطمة ، وقد توفيَ بالسُم الذي دسّه له سليمان بن عبد الملك فماتَ وعمره (٥٣ سنة) رجال السيّد بحر العلوم : ج ١ ، ص ٢١ بتصرّف ، ط نجف.
(٢) عُمدة الطالب : ص ٧٨ ، مقاتل الطالبيين : ص ١١٩ ، ط دار المعرفة ببيروت.