ثانياً : إنّ العرف إنّما يكون حجّة في ما يناسب حال العرف ومستواه. وأمّا ما كان خارجاً عن حال العرف كالأمور الرياضيّة والفلسفيّة ، فلا سبيل للعرف إليها ، ونحن نعلم أنّ حال أولئك الأبطال الأفذاذ أعلى من أن يفهمه العرف ، فالتنزّل بمستواهم إلى درجة العرف الشائع ظلمٌ لهم لا محالة.
ثالثاً : إنّ لسان الحال أصبح مبرّراً لدى البعض إلى نقل كثير من التفاصيل الكاذبة ، وهذا أمرٌ خارج عن هذا الدليل لو تمّ ، بعد التنزّل عن الوجهين السابقين جَدلاً ، فإنّه إنّما يُثبت إمكان البكاء والتضجّر واللطم ونحو ذلك ، لا أنّه يُثبت جواز الكذب والدسّ بطبيعة الحال.
الأمرُ الرابع : من مُجوّزات النقل المحتملة عن حوادث كربلاء :
ما وردَ بنحو القاعدة العامّة حيث تقول : «قولوا فينا ما شئتم ونزهّونا عن الربوبيّة» (١).
وتقريبُ الاستدلال بها للنقل : وهو التمسّك بإطلاق قوله (ما شئتم) ؛ فإنّ الفرد قد يشاء أن ينقل الأمور غير المرويّة أو غير المناسبة مع الحال وغير ذلك ، ومقتضى إطلاق القاعدة جواز ذلك كلّه ، إلاّ أنّ هذا غير صحيح بكلّ تأكيد لعدّة وجوه :
الوجهُ الأوّل : إنّ مثل هذه الرواية غير تامّة سنداً ، ومعهُ لا تكون ثابتة أصلاً ، فالاستدلال بها ـ كما هو المشهور بينهم ـ غير جائز.
الوجهُ الثاني : إنّها مخدوشة في الدلالة أو التعبير وهو قوله فيها : (ونزّهونا عن الربوبيّة) ، في حين أنّ الربوبيّة كمال وعَظمة ، والتنزيه إنّما يكون عن النقص والخسّة والرذيلة ، فهذا إنّما يدلّ على ضعف سندها وعدم ورودها إطلاقاً.
__________________
(١) البحار : ج ٢٥ ، ص ٢٦١ بتصرّف.