عليه التضحية في سبيلها بكلّ غالٍ وعزيز ، وإذا كان غافلاً عن ذلك ـ وهو غير معصوم على أيّ حال ـ فالله سبحانه يعذر الغافل.
الوجه الثاني : لعدم اغتيال ابن زياد :
ما ذكرهُ مسلم نفسه حسب الرواية «إنّ الإيمان قيّد الفتك ، ولا يفتك مؤمن».
إلاّ أنّ هذا بمجرّده لا يتمّ ، إلاّ أن يرجع معناه إلى الوجه الآتي ؛ وذلك لأنّ هذا الخبر يحتاج إلى الصحّة سَنداً ودلالة ، أمّا السند ، فيظهر حصول مسلم عليه مرسلاً غير موثوق ؛ لأنّه عبّر عن أنّه حديث حدّثنيه الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، الأمر الذي يدلّ على أن يجهل راويه ، أو لا يوثّقه على أقلّ تقدير.
وأمّا من ناحية الدلالة ، فهذا الأمر الذي كان عازماً عليه هو الغيلة أو الاغتيال ، وليس الفتك فإنّه وإن كان قد يَرد في اللغة بهذا المعنى أيضاً ، إلاّ أنّ لهُ معانٍ أخرى كالشجاعة بحيث لا يهاب أحداً ، والاستقلال بالرأي عن الآخرين وغير ذلك (١) ، فلا يتعيّن أن يكون المراد من الخبر ذلك.
مضافاً إلى أنّ الاعتماد على خبرٍ من هذا القبيل ، بل حتّى ولو كان صحيحاً ، في دفع مصلحة عامّة في قتله ، أو جلب مفسدة عامّة في حياته ، كما قد حصلَ فعلاً ، غير صحيح جزماً وغير مرضيّ لله عزّ وجل ، ما لم يعِد الأمر إلى وجوه أخرى ، أو إلى الوجه الآتي الذي سنذكره الآن.
الوجه الثالث : الأخلاقيّة في العلاقات مع الآخرين ، الأصدقاء منهم والأعداء سِلماً كانت العلاقة أم حرباً أم قتلاً ، ومن جملة الأسس الأخلاقيّة التي التزمَ بها المسلمون ونَصحت بها تعاليم الإسلام عدم البدء بالحرب والضرب ، وإنّما يكون أهل الحقّ هم ثاني الضاربين لو صحّ التعبير ، ليكون
__________________
(١) ومثله قولهم الفاتك : أي الجريء الشجاع ، وقال ابن دريد : هو الذي إذا همّ بشيء فَعل (أقرب الموارد : ج ٢١ ، ص ٩٠١).