موقفهم أمام الله والناس هو الدفاع فقط ، وكان ولازال النبيّ صلىاللهعليهوآله هو نبيّ الرحمة ، وليس من مقتضى الرحمة البدء بالهجوم ، حتّى أنّ الحسين عليهالسلام في ساحة كربلاء العسكرية التزمَ بذلك ، وهذه مصلحة أخلاقيّة جليلة في الحرب والقتل والقتال ، ذات تأثير عام في إحسان الظنّ بالمعسكر المحقّ وجلب القلوب نحوه ، وهي مصلحة عامّة تعدل الكثير من المصالح العام الأخرى التي قد ندركها ممّا تكون مصالح وقتيّة وإن كانت صحيحة ، في حين أنّ هذه القاعدة الأخلاقية دائمة الصحّة جيلاً بعد جيل.
فإذا عرفنا ذلك ، استطعنا تقييم وتمييز موقف ابن عقيل من ابن زياد ، من حيث إنّ ابن زياد لم يكن محارباً في ذلك الحين ولا ناوياً لقتل أحد ، إذاً ، فهو لم يبدأ بالقتال ولم ينوِ السوء ، فلا يجوز بَدؤه به أو نية السوء ضدّه ؛ لأنّه خلاف القاعدة الأخلاقية المشار إليها.
الوجه الرابع : ما ذكرناه فيما سبق : من كون مسلم بن عقيل عليهالسلام مُسدّداً مُلهماً ، ولا أقلّ من احتمال ذلك ، إذاً فيمكن أن يكون قد واجه نهياً عن قتل عُبيد الله بن زياد ، كما يُحتمل أن يكون هذا النهي مأخوذاً عنده من الحسين عليهالسلام ، أو من جدّه النبيّ صلىاللهعليهوآله بخصوص هذه الواقعة أو ما يشملها ، فيجب عليه الامتثال ، وقد سبقَ أن قلنا في أمثال ذلك : إنّ مجرّد الاحتمال يكفينا ؛ لأنّه إذا دخلَ الاحتمال بطل الاستدلال ، يعني يفسد السؤال عن إعراضه عليهالسلام عن اغتيال ابن زياد ، وإنّ ذلك كان على خلاف المصلحة أو السياسة العامّة.
الوجه الخامس : ما أشرنا إليه أو إلى مثله ، من أحد الوجوه التي قلناها في نفي سيطرة مسلم بن عقيل على الكوفة ، وهو اقتضاء الحكمة الإلهيّة الإبقاء على بعض الفاسقين والكافرين ، من أجل ميلاد بعض المؤمنين من ذراريهم ولو في جيلٍ متأخّر ، ولو عدّة مئات من السنين أو أكثر ، فليكن ابن زياد كذلك.