يقول المؤرّخون : إنّ مَعقلاً حين أراد التجسّس لابن زياد ، أقبلَ إلى المسجد ، فرأى مسلم بن عوسجة يُصلّي فيه فسألَ عنه؟ فقيل له : هذا يبايع للحسين بن علي ، فجاءه وجلس إلى جانبه ، حتّى إذا فرغَ من صلاته سلّم عليه وأظهرَ لهُ أنّه رجل من أهل الشام ، وأنّه مولى لذي الكلاع الحميري ، وممّن أنعمَ الله عليه بحبّ أهل البيت وحُبّ مَن أحبّهم وتباكى له ، وقال له : إنّ عنده ثلاثة آلاف درهم يريد بها لقاء رجل من أهل البيت ، بَلَغه أنّه قدمَ إلى الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقبلَ منهُ مسلم بن عوسجة وأخذ منه البيعة على يده فوراً. ثمّ أخذهُ إلى مسلم بن عقيل ، فأخذَ عليه البيعة والمواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاهُ (مَعقل) من ذلك ما رضي به ، ثمّ أمرَ مسلم أبا ثمامة الصائدي (١) بقبض المال منه ، وكان قد عيّنه مسلم لقبض الأموال من الناس وتجهيزهم بما يحتاجونه من السلاح والعتاد ، وظلّ معقل يختلف إلى دار هانئ كلّ صباحٍ ومساء ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، فينطلق بجميع الأخبار والأسرار ، فيقرؤها في أُذن ابن زياد (٢) ، ممّا أدى في النتيجة إلى فشل مهمّة هذه الجماعة المُحقّة وتفرّقها عن مسلم بن عقيل.
فهنا قد يرد السؤال عن السبب في انخداع مسلم بن عوسجة ومسلم بن
__________________
(١) أبو تمّام الصادئدي : هو عمرو بن عبد الله بن كعب الصائدي ، من شهداء الطف ، كان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وكان بصيراً بالأسلحة ، ولهذا لمّا جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة قامَ معه وصار يقبض الأموال ، ويشتري بها الأسلحة بأمر مسلم بن عقيل.
وفي كتاب (نَفَس المهموم) أنّ أبا تمّام قال للحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، نفسي لك الفدى ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل إنشاء الله ، وأحبُ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنى وقتها ، قال : فرفعَ الحسين رأسه ثمّ قال : «ذكرتَ الصلاة جَعلكَ الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أوّل وقتها» (الكُنى والألقاب : ج ١ ، ص ٣٣).
(٢) الإرشاد للمفيد : ص ٢٠ ، مُثير الأحزان لابن نما : ص ٢١ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٤٢.