المستوى الأوّل : ما يشبه ما ذكرناه في المستوى الرابع من الحديث عن العبّاس عليهالسلام : من أنّ المصلحة عند الله عزّ وجل تقتضي أن يستشهد عطشاناً هكذا أراد له أبوه ، وهكذا أراد لنفسه ، وقيل : لغرضٍ من أبيه.
المستوى الثاني : إنّ المستوى الطبيعي أو السبب الطبيعي كان متعذّراً تماماً ، ولذا قال الحسين عليهالسلام في الرواية : «وآ غوثاه ، من أين آتي لك بالماء؟».
وأمّا مستوى المعجزة : فقد سبقَ أكثر من مرّة أنّ أسلوب الإسلام من عصر النبي صلىاللهعليهوآله فما بعده ، لم يكن قائماً على ذلك (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (١) ، ولا شكّ أنّ أسلوب المعجزة يختلف عن ذلك.
المستوى الثالث : ما تقولهُ الرواية من أنّه مدّ لهُ لسانه وأعطاه خاتمهُ ، وكلّنا نعرف أنّ اللُعاب يمكن أن يتحلّب مع وجود شيء في الفم ، فيشعر الفرد بشيء من الارتواء ، ويُساعده ذلك على تحمّل الحرب.
الجهة الرابعة : قالوا ـ كما في بعض المقاتل عن رضيع للحسين عليهالسلام ـ : ثمّ أتى به نحو القوم يطلب له الماء ، وقال : «إن لم ترحموني ، فارحَموا هذا الطفل» ، فاختلفَ العسكر فيما بينهم ، فقال بعض : إنّ كان ذنبٌ للكبار فما ذنب الصغار ، وقال آخرون : لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية ، وكادت الفتنة أن تقع بينهم ، فصاح ابن سعد في حرملة بن كاهل : اقطع نزاع القوم ، قال : فوضعتُ السهم في كبد القوس ، وقلت : أللوالد أم للولد؟ قال : بل الولد ، فرميتهُ وهو في حِجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد ، فتلقّى الحسين الدم بكفّه ورمى به نحو السماء (٢).
__________________
(١) سورة الأنفال : آية ٤٢.
(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٥٧ ، مثير الأحزان لابن نما : ص ٥٢ ، اللهوف لابن طاووس : ص ٤٩.