الوجه الأوَّل : النظر إلى المعصوم عليهالسلام كقائد دنيويٍّ ، ومِن المعلوم أنَّ القائد الدنيويَّ قد لا يلتفت ، أو لا يتأكَّد مِن وقوعه في الموت في هذا الصدد الذي هو فيه ، وإنَّما يأتيه سبب الموت على حين غرَّة. غير أنَّ هذا الوجه غير تامٍّ لأكثر مِن جواب.
أوَّلاً : المنع عن النظر إليهم كقوَّاد دنيوين ، بعد كلِّ الذي برهنَّا عليه مِن كونهم مُسدَّدين مُلهمين مِن قبل الله سبحانه وتعالى.
ثانياً : إنَّنا حتَّى لو نظرنا إلى التسبيب الطبيعي ، فإنَّه كثيراً ما يكون مِن الراجح جِدَّاً حصول الموت في الطُّرق التي سلكها الأئمَّة في التسبيب لموتهم.
وأوضح مصاديق ذلك حركة الحسين عليهالسلام ؛ إذ كان هو يعلم بموته ، وكذلك عدد مِمَّن ناقشه في سيره وأراد صرف رأيه عنه (١) ، كان مِمَّن يُرجِّح حصول مثل هذه الكارثة التي حصلت له.
ومعه فمِن سُخْف القول : إنَّ الإمام عليهالسلام لم يكن مُلتفتاً إلى ذلك أو مُحتملاً له سلفاً ؛ وإلاَّ فقد أنزلناه إلى مرتبة وضيعة مِن التفكير.
الوجه الثاني : ما هو المشهور بين بعض المُفكِّرين في الدين ، مِن أنَّ المعصوم وإنْ كان بحسب طبعه الأوَّل معصوماً عن الخطأ والنسيان ، إلاَّ أنَّه في تلك الواقعة ، يعني : حين يُريد الله سبحانه التسبيب إلى موته يجعله ناسياً أو جاهلاً بالنتائج ، فيذهب في هذا الطريق وهو لا يعلم (٢).
أقول : وهذا الوجه إنَّما يكون حراماً إذا كان عمديَّاً. وأمَّا إذا كان عن جهل أو نسيان ، فلا يكون مُحرَّماً. لاستحالة تكليف الناسي والجاهل
__________________
(١) قد مرَّ ذكر أسمائهم سابقاً فراجع.
(٢) مرآة العقول للمجلسي ج ٣ ص ١٢٢.