فكلِّمني ، وإنْ خرجت إليك مُقنَّع الرأس فلا تُكلِّمني». فحين خرج إليه مقنع الرأس هابه أبو الصلت أن يتكلم معه (١) ، مُضافاً إلى الرواية التي تقول : فقال له : إلى أين أنت ذاهب ـ يابن رسول الله ـ؟ فقال : «إلى حيث أرسلتني» (٢).
إذاً ؛ فهو يعلم أنَّه أرسله إلى الموت ، ولم تكن إلى ذلك الحين دلالة طبيعيَّة أو عرفيَّة دالَّة على ذلك.
الوجه الثالث : إنَّ المعصوم عليهالسلام يعلم بتكليف شرعي مِن الله عزَّ وجلَّ ، بالإلهام أو بالرواية عن جَدِّه النبي صلىاللهعليهوآله ، تكليفاً وجوبيَّاً أو استحبابيَّاً بالسير في هذا الطريق ـ طريق الموت ـ. فهو بذلك يؤدِّي امتثاله لذلك التكليف الوجوبي أو الاستحبابي قُربة إلى الله تعالى ، ورجاء لرضاء الله سبحانه وثوابه. تماماً كالعبد المؤمن الاعتيادي حين يُصلِّي ، أو يصوم أو يحجُّ أو يتعبَّد عبادة واجبة أو مُستحبَّة. وهذا أحسن الوجوه التي عرفناها للجواب على مثل هذا السؤال على تقدير دلالة الآية الكريم على حُرمة التهلُكة. وقد عرفنا فيما سبق عدم دلالتها على ذلك إطلاقاً.
__________________
الصلت بعد وفات الرضا عليهالسلام سنة ، فضاق صدره فدعا الله بمحمد وآل محمد ، فدخل عليه أبو جعفر الجواد عليهالسلام فضرب يده إلى القيود ، ففكَّها وأخذ بيده وأخرجه مِن الدار والحرسة والغَلمة يرونه فلم يستطيعوا أنْ يُكلِّموه فخرج مِن باب الدار ، وقال له أبو جعفر عليهالسلام : «امض في ودائع الله ؛ فإنَّك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً». الكُنى والألقاب ج ١ ص ١٠٠.
(١) الدمعة الساكبة ص ٨٦ ـ عيون أخبار الرضا للصدوق ج ٢ ص ٢٤٥.
(٢) نفس المصدر.