اليمن ، فإنَّ فيها شيعة لأبيك (١) ، ويُمكن أنْ يكون هناك حصيناً ضِدَّ الأعداء آمناً مِن شرور الزمان ، فمِن هذه الناحية لا يُحتمل في حقِّه أنَّه كان موافقاً حقيقة على الأمر ، أو أنْ يكون مُصدِّقاً لهذا الخبر ، بالرغم مِن أهمِّيَّته.
ثانياً : إنَّه بشَّر بمقتله قبل خروجه أكثر مِن مرَّة ، وقد سبق أنْ ذكرنا ما يدلُّ على ذلك مِمَّا روي عنه (سلام الله عليه). إذاً ؛ فقد كان يعلم بالنتيجة قبل حصولها ، بمعنى أنَّه يعلم بعدم وصوله إلى الكوفة ، ولا مُبايعتهم له ولا نصرتهم إيَّاه ، بلْ يعلم مُحاربتهم له ومقتله على أيديهم ، فإنَّهم قالوا له : قلوبنا معك وسيوفنا عليك (٢).
ثالثاً : إنَّه هدف لم يحصل ، وقد سبق ـ أنْ تحدَّثنا في الشرائط ـ أنَّ كلَّ هدف لم يحصل فهو ليس هدفاً حقيقيَّاً.
رابعاً : إنَّه عليهالسلام علم وهو في الطريق إلى العراق بغدر أهل الكوفة ، وقتلهم لمسلم بن عقيل وارتدادهم عن بيعته ، وهذا يستلزم بوضوح سقوط تكليفه الشرعي عن الاستمرار بالذهاب إليهم ، والهِمَّة في الوصول لهم.
فإنْ قيل : إنَّ الأمر كذلك ، غير أنَّ الحُرَّ الرياحي جَعْجَع به ، ومنعه عن المسير إلى حيث يُريد ، وعن الرجوع إلى المدينة المنوَّرة ؛ وذلك سبَّب إلى وقوع الكارثة المروِّعة في كربلاء ، ولولا ذلك لأمكنه عليهالسلام الرجوع إلى المدينة أو الذهاب إلى أيِّ مكان آخر ، بعد أنْ سقط تكليفه الشرعي بالذهاب إلى الكوفة ، كما عرفنا.
إلاَّ أنَّ جواب ذلك : إنَّ في مثل هذا التفكير جَهلاً بالتاريخ الإسلامي كما وصل إلينا ؛ فإنَّ الحسين عليهالسلام علم بمقتل مسلم بن عقيل وغدر أهل
__________________
(١) الخوارزمي ج ١ ص ١٨٨ ـ مناقب بن شهرآشوب ج ٣ ص ٢٤٠ ـ إسرار الشهادة ص ٢٢٤.
(٢) الإرشاد للمُفيد ص ٢١٨ ـ العِقد الفريد ج ٤ ص ٣٨٤.