ثم فسر ما أسره بقوله :
(قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي قال فى نفسه أنتم شر فى مكانتكم ومنزلتكم ممن تعرضون به أو تفترون عليه ، إذ أنكم سرقتم من أبيكم أحب أولاده إليه وعرضتموه للهلاك ، والرق ، وقلتم لأبيكم قد أكله الذئب إلخ.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أي والله أعلم منكم بما تصفونه به ، لأنه سبحانه هو العليم بحقائق الأشياء ، فيعلم كيف كانت سرقة الذي أحلتم سرقته عليه.
ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق لهم أخاه بنيامين فيرجعوا به إلى أبيهم ، لأنه قد أخذ عليهم الميثاق بأن يردوه إليه.
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) طاعنا فى السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالته التي يتعلل بها عن شقيقه الهالك ، أو هو كبير القدر جدير بالرعاية كما علمت مما سلف من قصصه ومن تعلقه به.
(فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) أي بدله فلسنا عنده بمنزلته فى المحبة والشفقة عنده.
ثم عللوا رجاءهم فى إجابته بقولهم :
(إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إلينا فى ميرتنا وضيافتنا وتجهيزنا ، فأتم إحسانك ، فما الإنعام إلا بالإتمام ، أو المعنى إن من عادتك الإحسان مطلقا ، فاجر على عادتك ولا تغيرها ، فنحن أحق الناس بذلك.
فأجابهم عن مقالتهم :
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) أي حاش لله أن نأخذ إلا من وجدنا الصواع عنده ، لأنا قد أخذناه بفتواكم (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) فلا يسوغ لنا أن نخلّ بموجبها.
ولم يقل إلا من سرق متاعنا اتقاء للكذب ، لأنه يعلم أنه ليس بسارق.
(إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) أي إنا إذا أخذنا غيره لظالمون من وجهين : مخالفة شرعكم ونص فتواكم ، ومخالفة شريعة الملك.