العذر وهو الجهل بقبح الذنب فى ذاته وبسوء عاقبته لتمكن نزغ الشيطان من أنفسهم الأمارة بالسوء ، وقد ذكرهم بطريق سؤال العارف المتجاهل على طريق التقرير لا التقريع والتوبيخ كما يدل عليه نفى التثريب والدعاء بالمغفرة.
قال صاحب الكشاف فى تفسير الآية : أتاهم من جهة الدين وكان حليما موفقا ، فكلمهم مستفهما عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب «فقال هل علمتم» قبح «ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون» لا تعلمون قبحه ، فلذلك أقدمتم عليه يعنى هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه؟ لأن علم القبح يدعو إلى الاستقباح ، والاستقباح يجر إلى التوبة ، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحا لهم فى الدين لا معاتبة وتثريبا ، إيثارا لحق الله على حق نفسه فى ذلك المقال الذي يتنفس فيه المكروب ، وينفث المصدور ، ويتشفى المغيظ المحنق ، ويدرك ثأره الموتور ؛ فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسجحها ، ولله حصا عقولهم ما أوزنها وأرجحها اه.
وكان سؤاله إياهم عما فعلوا بيوسف وأخيه وهو سؤال العارف بأمرهم فيه من البداءة إلى النهاية ـ مصدقا لما أوحاه الله إليه حين ألقوه فى غيابة الجب من قوله : «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» إذ يبعد أن يعرف هذا سواه ، فأرادوا أن يتثبتوا من ذلك ويستيقنوا به ، فوجهوا إليه سؤالا هو سؤال المتعجب المستغرب لما يسمع.
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟) أي قالوا من المؤكد قطعا أنك أنت يوسف ـ وقد عجبوا من أنهم يترددون عليه مدى سنتين أو أكثر وهم لا يعرفونه وهو يعرفهم ويكتم نفسه.
(قالَ أَنَا يُوسُفُ) الذي ظلمتمونى غاية الظلم ، وقد نصرنى الله فأكرمنى وأوصلنى إلى أسمى المراتب ، أنا ذلك العاجز الذي أردتم قتله بإلقائه فى غيابة الجب ، ثم صرت إلى ما ترون.
(وَهذا أَخِي) الذي فرّقتم بينى وبينه وظلمتموه ، ثم أنعم الله عليه بما تبصرون.