(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) أي قال أولاده وكانوا قد وصلوا إثر البشير : يا أبانا اسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا التي اجترحناها من عقوقك وإيذاء أخوينا ، إنا كنا متعمدين لهذه الخطيئة ، عاصين لله ، ظانين أن نكون بعدها قوما صالحين.
الآن اعترفوا بذنوبهم كما اعترفوا ليوسف من قبل ، لكن يوسف بادر إلى الاستغفار لهم وهم لم يطلبوه منه ، وعليك أن تسمع جواب أبيهم الآتي :
(قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وعدهم بالاستغفار لهم فى مستأنف الزمان ، وعلل هذا بأن ربه واسع المغفرة والرحمة ، لا ينقطع رجاء المؤمن فيها وإن ظلم وأساء.
والفارق بين جواب يعقوب وجواب يوسف من وجوه كثيرة اقتضتها الحكمة :
(١) إن حال أبيهم معهم حال المربّى المرشد للمذنب ، لا حال المنتقم الذي يخشى أذاه وليس من حسن التربية ولا من طرق التهذيب أن يريهم أن ذنبهم هيّن لديه حتى يعجّل بإجابة مطلبهم بالاستغفار لهم.
(٢) إن ذنبهم لم يكن موجها إليه مباشرة ، بل موجه إلى يوسف وأخيه ، ثم إليه بالتبع واللزوم ، إلى أنه ليس من العدل أن يستغفر لهم إلا بعد أن يعلم حالهم مع يوسف وأخيه ، ولم يكن يعقوب قد علم بعفو يوسف عنهم واستغفاره لهم.
(٣) إن هذا ذنب كبير وإثم عظيم طال عليه الأمد ، وحدثت منه أضرار نفسية وخلقية وأعمال كان لها خطرها ، فلا يمّحى إلا بتوبة نصوح تجتث الجذور التي علقت بالأنفس ، والأرجاس التي باضت وأفرخت فيها.
فلا يحسن بعدئذ من المربى الحكيم أن يسارع إلى الاستغفار لمقترفها عقب طلبه حتى كأنها من هينات الأمور التي تغفر ببادرة من الندم ، ومن ثم تلبّث فى الاستغفار لهم إلى أجل ، ليعلمهم عظيم جرمهم ، ويعلمهم بأنه سوف يتوجه إلى ربه ويطلب لهم الغفران منه بفضله ورحمته.