من عبرة ودلالة على توحيد ربها ، وأن الألوهية لا تكون إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كل شىء فأحسن تدبيره.
وعلى الجملة فما فى السموات والأرض من عجائب وأسرار وإتقان وإبداع ـ ليدلّ أتم الدلالة على العلم المحيط والحكمة البالغة والقدرة التامة.
والذين يشتغلون بعلم ما فى السموات والأرض وهم غافلون عن خالقهما ، ذاهلون عن ذكره ـ يمتّعون عقولهم لذة العلم ، ولكن أرواحهم تبقى محرومة من لذة الذكر ومعرفة الله عزّ وجلّ ، إذ الفكر وحده إن كان مفيدا لا تكون فائدته نافعة فى الآخرة إلا بالذكر ، والذكر وإن أفاد فى الدنيا والآخرة لا تكمل فائدته إلا بالفكر ، فطوبى لمن جمع بين الأمرين فكان من الذين أوتوا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة ونجوا من عذاب النار فى الآخرة.
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) أي وما يقر هؤلاء بأن الله هو الخالق كما قال «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ» إلا وهم مشركون به فى عبادتهم سواه من الأوثان والأصنام ومن زعمهم أن له ولدا ، تعالى عما يقولون.
قال ابن عباس هم أهل مكة آمنوا وأشركوا وكانوا يقولون فى تلبيتهم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، وهذا هو الشرك الأعظم ، إذ يعبد مع الله غيره ، وفى صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا لبيك لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (قد ، قد) أي حسب حسب لا تزيدوا على هذا ، وفى الصحيحين عن ابن مسعود «قلت يا رسول الله : أىّ الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندّا وهو خلقك».
ومن درس تاريخ الأمم الماضية والحاضرة عرف كيف طرأ الشرك على الأمم ، وسرى فى عبادتهم سريان السّم فى الدّسم.
قال ابن القيم فى إغاثة اللهفان : وما زال الشيطان يوحى إلى عبّاد القبور منهم.