النظام ، وإرادته وحكمته من إحكام وإتقان ، وقد سبق تفصيل هذا فى سورتى الأعراف ويونس.
(٣) (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي وذلل الشمس والقمر وجعلهما طائعين لما أريد منهما لمنافع خلقه ، فكل منهما يسير فى منازله لوقت معين ؛ فالشمس تقطع فلكها فى سنة ، والقمر فى شهر لا يختلف جرى كل منهما عن النظام الذي قدر له ، وإليه الإشارة بقوله «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها» وقوله «وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ» وإيضاح هذا ذكر فى سورتى يونس وهود ، وبعد أن ذكر هذه الدلائل قال :
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي إنه تعالى يتصرف فى ملكه على أتم الحالات وأكمل الوجوه ؛ فهو يميت ويحيى ، ويوجد ويعدم ، ويغنى ويفقر ، وينزل الوحى على من يشاء من عباده ، وفى ذلك برهان ساطع على القدرة والرحمة ، فإن اختصاص كل شىء بوضع خاص وصفة معينة لا يكون إلا من مدبر اقتضت حكمته أن يكون كذلك ، فتدبيره لعالم الأجسام كتدبيره لعالم الأرواح ، وتدبيره للكبير كتدبيره للصغير ، لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يمنعه تدبير شىء عن تدبير آخر كما هو شأن المخلوقات فى هذه الدنيا ، وكذلك هو دليل أيضا على أنه تعالى متعال فى ذاته وصفاته وعلمه وقدرته لا يشبه شيئا من مخلوقاته.
(يُفَصِّلُ الْآياتِ) أي يلبس الموجودات ثوب الوجود بنظام محكم دقيق ، ويوجد بينها ارتباطات تجعلها كأنها سلسلة متصلة الحلقات لا انفصام لبعضها عن بعض ؛ فالمجموعة الشمسية من الشمس والقمر والكواكب مرتبطة فى حركاتها بنظام خاص بوساطة الجاذبية لا تحيد عن سننه ولا تجد معدلا عن السير فيه بحسب النهج الذي قدر لها ، ولا تزال كذلك حتى ينتهى العالم ، فيحدث حينئذ تغيير لأوضاعها ، واختلال لحركاتها : «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ».