(إِنَّا مُوقِنُونَ) أي إنا قد أيقنا الآن ما كنا به فى الدنيا جهالا من وحدانيتك ، وأنه لا يصلح للعبادة سواك ، وأنك تحيى وتميت ، وتبعث من فى القبور بعد الممات والفناء ، وتفعل ما تشاء.
ونحو الآية قوله : «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ، فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا» الآية.
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) أي ولو أردنا أن نلهم كل نفس ما تهتدى به إلى الإيمان والعمل الصالح لفعلنا ، ولكن تدبيرنا للخلق على نظم كاملة ، كفيلة بمصالحه ، قضى أن نضع كل نفس فى المرتبة التي هى أهل لها بحسب استعدادها ، كما توضع فى الإنسان العين فى موضع لا يصلح له الظفر والإصبع ، والمعدة فى موضع لا يصلح له القلب ، وهذا هو المراد من قوله :
(وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي ولكن سبق وعيدي بملء جهنم من الجنة والناس الذين هم أهل لها ، بحسب استعدادهم ، ولا يصلحون لدخول الجنة ؛ كما لا يعيش البعوض والذباب ، إلا فى الأماكن القذرة ، ليخلّص الجو من العفونات ، ولو جعلا فى القصور النظيفة النقية ما عاشا فيها ، إذ لا يجدن فيها غذاء ولا منفعة لهما :
وهكذا هؤلاء إذا رأوا العالم المضيء المشرق ، والأنوار المتلألئة ، والحياة الطيبة فى الجنة لم يستطيعوا دخولها ، وعجزوا عن ذلك ، فما مثلهم إلا مثل السمك الذي لا يعيش فى البر ، ومثل ذوات الأربع التي لا تعيش فى البحر.
ولما بين لهم أنه لا رجوع إلى الدنيا أنّبهم على ما عملوا من تدسية نفوسهم بفعل المعاصي ، وترك الطاعة له ، فقال :
(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي فذوقوا العذاب بسبب تكذيبكم بهذا اليوم ، واستبعادكم وقوعه ، وعملكم عمل من لا يظن أنه راجع إلى ربه فملاقيه.