الآن إلا مثال الوحشية الإنسانية ، والمجازر البشرية التي سلط الله فيها العالم بعضه على بعض ، فارتكب المظالم ، واجترح المآثم ، والإنسان فى كل عصر هو الإنسان.
وكما أهلك الله الكافرين قبلهم بكفرهم وظلمهم ، يهلك الناس بشؤم معاصيهم وفسادهم ، فليجعلوا من سبقهم مثلا لهم ، ليتذكروا عقاب الله وشديد عذابه للمكذبين.
الإيضاح
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي ظهر الفساد فى العالم بالحروب والغارات ، والجيوش والطائرات ، والسفن الحربية والغواصات ، بما كسبت أيدى الناس من الظلم وكثره المطامع ، وانتهاك الحرمات ، وعدم مراقبة الخلاق ، وطرح الأديان وراء ظهورهم ، ونسيان يوم الحساب ، وأطلقت النفوس من عقالها ، وعاثت فى الأرض فسادا ، إذ لا رقيب من وازع نفسى ، ولا حسيب من دين يدفع عاديتها ، ويمنع أذاها ، فأذاقهم الله جزاء بعض ما عملوا من المعاصي والآثام ، لعلهم يرجعون عن غيهم ، ويثوبون إلى رشدهم ، ويتذكرون أن هناك يوما يحاسب الناس فيه على أعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فيخيّم العدل على المجتمع البشرى ، ويشفق القوىّ على الضعيف ، ويكون الناس سواسية فى المرافق العامة ، وحاج المجتمع بقدر الطاقة البشرية.
وبعد أن بين أن ظهور الفساد كان نتيجة أفعالهم أرشدهم إلى أن من كان قبلهم وكانت أفعالهم كأفعالهم ، أصابهم بعذاب من عنده ، وصاروا مثلا لمن بعدهم وعبرة لمن خلفهم ، قال :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ؟) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك : سيروا فى البلاد فانظروا إلى مساكن الذين كفروا بالله من قبلكم وكذبوا رسله ، كيف أهلكناهم بعذاب منا ، وجعلناهم عبرة لمن بعدهم؟.