الحاجة بلا داع هو صوت الحمير ، وغاية من يرفع صوته أنه يجعله شبيها بصوت الحمار فى علوه ورفعه ، وهو البغيض إلى الله.
وفى ذلك ما لا يخفى من الذم ، وتهجين رفع الصوت ، والترغيب عنه ، ومن جعل الرافع صوته كأنه حمار مبالغة فى التنفير من عمله ، وهذا أدب من الله لعباده بترك الصياح وجوه الناس تهاونا بهم ، أو بترك الصياح جملة.
وقد كانت العرب تفخر بجهارة الصوت ، فمن كان منهم أشد صوتا كان أعز ، ومن كان أخفض كان أذل ، قال شاعرهم :
جهير الكلام جهير العطاس |
|
جهير الرواء جهير النّعم |
ويعدو على الأين عدو الظّليم |
|
ويعلو الرجال بخلق عمم (١) |
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١))
المعنى الجملي
بعد أن أقام الأدلة على التوحيد ، وذكر أن لقمان فهمه بالحكمة دون أن يرسل إليه نبىّ ـ عاد إلى خطاب المشركين وتوبيخهم على إصرارهم على ما هم عليه من الشرك مع مشاهدتهم لدلائل التوحيد لائحة للعيان ، يشاهدونها فى كل آن ، فى السموات والأرض ، وتسخيرهم لما فيها مما فيه مصالحهم فى المعاش والمعاد ، وإنعامه عليهم بالنعم المحسوسة والمعقولة ، المعروفة لهم وغير المعروفة ؛ ثم أبان أن كثيرا من الناس يجادلون
__________________
(١) الرواء بالضم : المنظر الحسن ، والنعم : الإبل ، والأين : الإعياء. والخلق العمم : التام.