إِلَيْهِ سَبِيلاً» (١) ولعل في هذه الآيات الكريمة إشارة إلى أن الحج الى البيت على المستطيع هو استمرار لغرض إلهي قديم ، معترف به من الناس ، وممارس من بعضهم ، فهو أول بيت وضع للناس (٢) ، فيه الهدى ، وفيه البركة ، وفيه الخير الكثير ، وهو من بناء إبراهيم بما فيه من علامات هي مقام إبراهيم ، وأن من دخله كان آمنا ، ويلفت النظر هنا كلمة «الناس» فإنها إنما تدل على أن الحج ، إنما كان على الناس كافة (٣) ، كما تدل كلمة «العالمين» على أن البيت الحرام ، إنما هو هداية للبشرية جمعاء ، وهكذا ما نرى إبراهيم يفرغ من بناء البيت ، حتى يأمره ربه أن يؤذن في الناس بالحج ، «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (٤).
وهنا يروي ابن عباس أن إبراهيم قال : يا رب وما يبلغ صوتي ، قال أذّن وعليّ البلاغ ، فنادى : أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق ، فسمعه ما بين السماء والأرض ، وما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله ان يحج إلى يوم القيامة ، فأجيب : لبيك لبيك ، ثم خرج بإسماعيل معه إلى التروية ، فنزل به منى ومن معه من المسلمين ، فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، ثم بات حتى أصبح فصلى بهم الفجر ، ثم سار إلى عرفة فأقام بها هناك ، حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين ، الظهر
__________________
(١) سورة آل عمران آية ٩٦ ـ ٩٧
(٢) هناك رواية تنسب إلى الإمام علي كرم الله وجهه ، مؤداها أن رجلا سأله : أهو أول بيت.
فقال : لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس (أي الناس كافة) مباركا ، فيه الهدى والرحمة والبركة ، وأول من بناه إبراهيم (الكشاف ١ / ٤٤٦) ، تفسير الطبري ٣ / ٦٩ ، ٧ / ١٩ ، قارن : ٧ / ٢٠ ، ٢٢ ، ابن كثير ٢ / ٢٩٩ ، قصص الأنبياء ١٠٦)
(٣) احمد إبراهيم الشريف : المرجع السابق ص ١٧٣ ، وانظر : تفسير ابن كثير ٤ / ٦٣١ ـ ٦٤٧ تفسير المنار ٤ / ٦ ـ ١٤
(٤) سورة الحج : آية ٢٧