من أخبار الأمم البائدة ، كان شيئا يكاد يجهله العرب جهلا تاما ، وإن كان يعلم بعضا منه أهل الكتاب الذين درسوا التوراة والإنجيل (١).
(٥) القصص القرآني والتوراة
وليس صحيحا كذلك ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن القرآن الكريم ، قد اعتمد إلى حد كبير في قصصه على التوراة والإنجيل (٢) ، وزاد بعض من تابعهم من الباحثين العرب على ذلك أن القرآن الكريم جعل هذه الأخبار مطابقة لما في الكتب السابقة ، أو لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار ، حتى ليخيل إلينا أن مقياس صدقها وصحتها من الوجهة التاريخية ، ومن وجهة دلالتها على النبوة والرسالة ، أن تكون مطابقة لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار (٣) ، وذهب «مالك بن نبي» أن هناك تشابها عجيبا بين القرآن والكتاب المقدس (التوراة والانجيل) ، وأن تاريخ الأنبياء يتوالى منذ إبراهيم إلى زكريا ويحيى ومريم والمسيح ، فأحيانا نجد القرآن يكرر نفس القصة ، وأحيانا يأتي بمادة تاريخية خاصة به مثل هود وصالح ولقمان وأهل الكهف وذي القرنين (٤) ، ومن عجب أن صاحب كتاب «من روائع القرآن» ينقل عنه ـ فيما يزعم ـ أن القرآن جاء بقصص الأنبياء السابقين والأمم الغابرة ، على نحو يتفق جملة وتفصيلا مع ما أثبتته التوراة والإنجيل من عرض تلك الأخبار والقصص ، وأن ذلك دليل لا يقبل الشك بأن هذا القرآن ما كان حديثا يفترى (٥) ، ولكنه وحي من الله
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ٢٣٨ ـ ٢٤٠
(٢) جولدتسهير : العقيدة والشريعة في الإسلام ، ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى ص ١٢ ، ١٥ ، وكذا Alfred Guillaume, Islam, (Pelican Books) , ٤٦٩١, PP. ١٦ ـ ٢٦
(٣) محمد أحمد خلف الله : المرجع السابق ص ٢٢ ، وأنظر ص ٢٧ ـ ٢٨ ، ٤٥ ، ١٧٤ ـ ١٧٧ ، ١٨٢
(٤) مالك بن نبي : الظاهرة القرآنية ص ٢٥١
(٥) محمد سعيد البوطي : المرجع السابق ص ٢٢١