غير أن القوم سرعان ما كذبوا هودا ، واغتروا بقوتهم ، «فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ» (١) ، ومن ثم فإن الله أنزل بهم العذاب الشديد ، وذلك بأن أرسل عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، يقول سبحانه وتعالى «وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ، فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ» (٢).
(٣) قصة عاد ومحاولة ربطها بالتوراة
وقصة عاد هذه ـ شأنها في ذلك شأن قصة ثمود ـ لم ترد في التوراة ، وإنما هي قرآنية صرفة ، كما أن شهرتها عند العرب في الجاهلية والإسلام ، كشهرة إبراهيم وقومه (٣) ، ولعل هذا هو السبب في أن كثيرا من المستشرقين قد تعجلوا الأمر ، فأنكروا عادا وثمودا ، وأنكروا الكوارث التي أصابتهم بغير حجة ، إلا أنهم يحسبون أن المنكر لا يطالب بحجة ، ولا يعاب على النفي الجزاف ، فما لبثوا طويلا حتى تبين لهم أن عاداOditae وثموداThamudida مذكورتان في تاريخ بطليموس ، وأن اسم عاد ، مقرون باسم «إرم» في كتب اليونان ، فهم يكتبونها «أدراميت» Adramitae ، ويؤيدون تسمية القرآن الكريم لها بعاد إرم ذات العماد (٤) إلا أن شأن المؤرخين الإسلاميين أغرب من شأن المستشرقين ، فرغم
__________________
(١) سورة فصلت : آية ١٥
(٢) سورة الحاقة : آية ٦ ـ ٨ ، وانظر سورة الأحقاف : آية ٢٤ ـ ٢٥
(٣) تاريخ الطبري ١ / ٢٣٢
(٤) عباس العقاد : مطلع النور ص ٦١