الذي أغرق جنتيهم ، فبدلهم الله بهما جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ، وهكذا هلكت أموال القوم ، وخربت بلادهم ، من ثم فقد اضطروا ـ أو اضطر أكثرهم ـ إلى أن يهاجروا من مواطنهم ، وأن يتفرقوا في غور البلاد ونجدها ، حتى ضرب بهم المثل «تفرقوا أيدي سبأ» ، جزءا وفاقا على كفرهم بنعمة ربهم ، وتلك ـ ويم الله ـ عاقبة من يجحدون فضل ربهم ، ولا يحمدون له نعماءه ، وصدق الله العظيم ، حيث يقول «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» (١)
(٢) القصة في الروايات العربية
يروي المفسرون والأخباريون أن أرض سبأ إنما كانت من أخصب أرض اليمن وأثراها ، وأكثرها جنانا وغيطانا ، وأفسحها مروجا ، مع بنيان حسن ، وشجر مصفوف ، ومياه كثيرة ، وأزهار متنوعة ، غير أن السيل كثيرا ما كان يغرق هذه الأرضين ، وفي عهد ملكتهم «بلقيس» اقتتل القوم على ماء واديهم ، فغضبت لذلك بلقيس وانزوت في قصرها ، فأتى إليها الملأ من قومها يطلبون إليها العودة إلى ما كانت عليه ، غير أنها رفضت أن تجيبهم إلى مطلبهم ، بحجة أنهم كثيرا ما يعصون أمرها ، وأن تفكيرهم غير
__________________
سدوها ، ولعل أقرب الآراء إلى الصواب ، هو الذي يذهب إلى أن العرم إنما هو السد يعترض الوادي ، ذلك لأن لفظة العرم (عرمن) إنما تعني السد في لغة اليمنيين القدامى ، وبدهي أنها لم تكن علما على سد معين ، أعني سد مأرب (أنظر : تفسير الطبري ٢٢ / ٧٨ ـ ٨٠ ، تفسير الألوسي ٢٢ / ١٢٦ ، تفسير البيضاوي ٢ / ٢٤٥٨ ـ ٢٥٩ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ (طبعة دار الكتب) ، تفسير الجلالين (نسخة على هامش تفسير البيضاوي ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩) ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٥١ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٠ ، ابن هشام ١ / ٩ ، مروج الذهب ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الإكليل ٨ / ٤٣ ، معجم البلدان ٤ / ١١٠ ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ١ / ١١٧ ، جواد علي ٧ / ٢٠١ ، الدميري ١ / ٤٤٥)
(١) سورة إبراهيم الآية : ٧