وبدهي أن هؤلاء الذين حاربوا العاهل الآشوري لم يظهروا فجأة في التاريخ ، وإنما لهم أسلاف عاشوا قبل ذلك بقرون لا ندري مداها على وجه التحقيق ، ونقول القرن الخامس الميلادي ، لأن لدينا نقشا يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي (وبالتحديد إلى عام ٢٦٧ م) (١) ، وبدهي ـ مرة أخرى ـ كما أنهم لم يبدءوا فجأة ، فإنهم لم يختفوا فجأة كذلك ، ومن هنا قلنا إنهم استمروا حتى القرن الخامس الميلادي ، بل أن هناك ما يدل على أنهم كانوا في ذلك القرن فرسانا في جيش الروم ، وأنهم كانوا يعسكرون في مصر ، وكذا في فلسطين (٢).
(٥) النقوش الثمودية
لقد عثر الاثريون على نقوش ثمودية في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية ، تمتد من الجوف شمالا ، إلى الطائف جنوبا ، ومن الأحساء شرقا إلى يثرب فأرض مدين غربا ، وفي المسالك المؤدية إلى العقبة والاردن وسورية ، وحتى في ارض حضرموت من جنوب الجزيرة العربية ، وأن ذلك ـ كما يقول الاستاذ شرف الدين ـ لدليل حي على أن الثموديين كانوا في يوم ما السكان الأصليين لشمال الجزيرة العربية ، ولهذا فإن القرآن الكريم ذكر الثموديين في أكثر من آية دون غيرهم من شعوب المنطقة ممن كانوا أكثر منهم قوة ، سواء في مجال المدنية أو التجارة كالديدانيين واللحيانيين والأنباط ، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على توافق تام وتطابق محكم بين نصوص القرآن الكريم ومعلومات
__________________
(١) A. Van den Branden, Les Inscriptions Thamoudeennes, ٠٥٩١, P. ٠١٤
(٢) C. M. Doughty, op - cit, P. ٩٢٢ Encyclopedie de Pauly - Wissowa, IA. ٢, article Saraka, Col. ٧٨٣٢ ـ ٠٩٣٢ A. Sprenger, op - cit, P. ٨٢