لأن ما بها من حقائق لا تتفق وأهواءهم ، وربما لأن ما بها من بشارات لا يتلاءم وميولهم العنصرية وعن هذا يقول القرآن الكريم (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً» (١) ، ومن ثم فقد كان حكم الإسلام على كتاب اليهود هذا ، أنه يحمل بعض لمحات من توراة موسى ، ذلك لأن اليهود ، إنما قد أوتوا نصيبا منها ، ونسوا نصيبا وحظا ، فلم يحفظوها كلها ، ولم يضيعوها كلها ، وأنهم قد حرفوا ما أوتوه عن مواضعه تحريفا لفظيا ومعنويا (٢).
(٦) مقارنة بين القصص القرآني وروايات التوراة
والرأي عندي أن خير ما نفعله لنثبت الخلاف الجوهري بين قصص القرآن وروايات التوراة ، وأن المصدر الأول لم يعتمد على الثاني ، بل إن محمدا (صلىاللهعليهوسلم) كما يؤكد الباحثون من المستشرقين ـ حتى المتعصبين منهم ـ لم يقرأ التوراة ، أو أي كتاب آخر من كتب أهل الكتاب (٣) ، هو أن نقدم مقارنة بين بعض قصص القرآن ، ونظائرها في التوراة.
وإذا بدأنا بقصة نوح ـ عليهالسلام ـ وجدنا أنها في القرآن (٤) ، غيرها
__________________
(١) سورة الانعام : آية ٩١
(٢) تفسير المنار ١ / ٢١٣
(٣) T.Noeldeke ,op - cit ,I ,P.٦١
(٤) ذكر القرآن قصة نوح في سور كثيرة منها الأعراف (٥٩ ـ ٦٤) ويونس (٧١ ـ ٧٣) وهود (٢٥ ـ ٤٩) والانبياء (٧٦ ـ ٧٧) والمؤمنون (٢٣ ـ ٣٠) والشعراء (١٠٥ ـ ١٢٢) والعنكبوت (١٤ ـ ١٥) والصافات (٧٥ ـ ٨٢) والقمر (٩ ـ ١٧) ثم سورة كاملة هي سورة نوح ، كما ذكر في مواضع متفرقة من النساء والأنعام والتوبة وإبراهيم والإسراء والاحزاب وص وغافر والشورى وق والذاريات والنجم والحديد والتحريم