وليس يهمنا هنا أن تكون الرواية صحيحة ، أو لا تكون ، فذلك شأن من يعتقدون أن لهذا القصص نصيبا من صواب ، وإنما الذي يهمنا هنا أن الذين يروون هذا القصص هم أنفسهم الذين يضعون هودا وقومه في مرحلة تاريخية سابقة لعهد الخليل عليهالسلام ، وهم في الوقت نفسه يرون أن مكة لم تعمر إلا منذ عهد إبراهيم ، وربما بعده ، «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (١) ، فضلا عن أن الشعر الذي يرونه في هذه المناسبة ، لا يمكن أن يكون من ذلك العهد الغابر ، ولعله في أغلب الظن شعر منحول.
وأما قصة قبره عليهالسلام في فلسطين ، فربما كانت ترتبط بالروايات التي تجعل قوم عاد من شمال شبه الجزيرة العربية ، وليس من جنوبها ، فإذا كان ذلك كذلك ، فربما كانت تحمل نصيبا من صواب.
(٧) عصر قوم هود
لا شك أن الحديث عن تحديد عصر لقوم هود ، إنما هو أمر بالغ الصعوبة ، فالقصة ـ كما قلنا ـ قرآنية صرفة ، وليس في القرآن الكريم ـ أو في السنة النبوية الشريفة ـ إشارة صريحة إلى ذلك ، والآثار صامتة تماما في هذا المجال ، وليس هناك أي نوع من الوثائق التاريخية التي يمكن للمؤرخ أن يعتمد عليها في الوصول إلى نتيجة يظن أنها الصواب ، أو
__________________
(١) سورة إبراهيم : آية ٣٧ ، وانظر تفسير النسفي ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، تفسير القرطبي ٩ / ٣٦٨ ـ ٢٧٤ ، تفسير الكشاف ٢ / ٣٨٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، تفسير الطبري ١٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٥ ، الدرر المنثور ٤ / ٨٦ ـ ٨٧.