(١) العاديون والعرب البائدة
ينظر الأخباريون إلى قوم عاد على أنهم أقدم الأقوام العربية البائدة (١) ، حتى أصبحت كلمة «عادي» و «عادية» تستعملان صفتين للأشياء البالغة القدم (٢) ، وحتى أصبح القوم إذا ما شاهدوا آثارا قديمة لا يعرفون تاريخها ، أطلقوا عليها صفة «عادية» (٣) ، وربما كان السبب في ذلك قدم قوم عاد ، أو أن عادا ـ ومن بعدها ثمود ـ قد ورد اسميهما في القرآن الكريم ، ومن ثم فقد قدما على بقية الأقوام البائدة ، رغم أننا لو جارينا الأخباريين في قوائم الأنساب ، التي يقدمونها للشعوب البائدة ، لكان علينا أن نقدم طسم وجديس وعمليق وأميم وغيرهم على عاد وثمود ، ذلك لأن الأولين ـ في نظرهم ـ من أولاد شقيق «إرم» ، وأن الآخرين من حفدة «إرم» ، ولكنهم هم أنفسهم يقدمون عادا على بقية الشعوب البائدة (٤).
وهنا لعل من الأفضل أن نشير ـ بادئ ذي بدء ـ إلى أننا لا نعني بالعرب البائدة ، والعرب الباقية ، أن أقواما قد انقرضوا فلم يبق منهم أحد ، وأن أقواما لم يكونوا ثم نشئوا من جديد ، وانما ما نعنيه أن قوما قد يقل عددهم بالكوارث أو بالذوبان في آخرين ، لسبب أو لآخر ، ومن ثم يتوقف تاريخهم وتبطل حضارتهم ، مع أن بقاياهم ما تزال موجودة ، ولكنها بدون قيمة حضارية ، والتاريخ في حقيقته إنما هو تطور
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ١١
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ٦١٣ ـ ٦١٤
(٣) مروج الذهب ٢ / ١٢ ـ ١٤
(٤) جواد علي ١ / ٢٩٩