(١) التدوين في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم
القرآن الكريم كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (١) ، نزل على رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ منجما في ثلاث وعشرين سنة (٢) ، حسب الحوادث ومقتضى الحال (٣) ، وكانت الآيات والسور تدون ساعة نزولها ، إذ كان المصطفى (صلىاللهعليهوسلم) إذا ما انزلت عليه آية أو آيات ، قال : «ضعوها في مكان كذا ... من سورة كذا» ، فقد ورد أن جبريل ـ عليهالسلام ـ كان ينزل بالآية أو الآيات على النبي ، فيقول له ، يا محمد إن الله يأمرك أن تضعها على رأس كذا من سورة كذا» ، ولهذا اتفق العلماء على أن جمع القرآن «توقيفي» ، بمعنى أن ترتيبه بهذه الطريقة التي نراه عليها اليوم في المصاحف ، إنما هو بأمر ووحي من الله (٤)
__________________
(١) سورة فصلت : آية ٤٢
(٢) قارن صحيح البخارى ٦ / ٩٦
(٣) نزل القرآن منجما فيما بين عامي ١٣ ق. ه ، ١١ ه (٦١٠ ـ ٦٣٢ م) لأسباب : منها تثبيت قلب النبي أمام أذى الكافرين ، ومنها التلطف بالنبي عند نزول الوحي ومنها التدرج في تشريع الأحكام السماوية ، ومنها تسهيل حفظ القرآن وفهمه على المسلمين ، ومنها مسايرة الحوادث والوقائع والتنبيه عليها في حينها ، ومنها الارشاد إلى مصدر القرآن وانه تنزيل الحكيم الحميد (محمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن ص ٤٠ ـ ٤٩ ، محمد عبد الله دراز : مدخل إلى القرآن الكريم ص ٣٣ ، محمد سعيد رمضان : من روائع القرآن ص ٣٦ ـ ٤١) ومنها أن العرب كانوا أمة أمية ، والكتابة ليست فيهم رائجة ، بل يندر فيهم من يعرفها ، وأندر منه من يتقنها ، فما كان في استطاعتهم أن يكتبوا القرآن كله إذا نزل جملة واحدة ، إذ يكون بسوره وآياته عسيرا عليهم أن يكتبوه وإن كتبوه لا يعدموا الخطأ والتصحيف والتحريف (محمد أبو زهرة : القرآن ص ٢٣ ـ ٢٤)
(٤) نفس المرجع السابق ص ٢٧ ، ٤٧ ـ ٤٩ ، السيوطي : الاتقان في علوم القرآن ١ / ٤٨ ، ٦٣ ، الزركشي : البرهان في علوم القرآن ص ٢٣٤ ، ٢٣٧ ، ٢٤١ ، السجستاني : كتاب المصاحف ص ٣١ ، مقدمتان في علوم القرآن ص ٢٦ ـ ٣٢ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٥٨ ، تفسير القرطبي ١ / ٦٠ ، محمد علي الصابوني : المرجع السابق ص ٥٩