يقول : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (١) ، وحيث يقول (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» (٢) ، وحيث يقول (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» (٣).
وليس صحيحا كذلك ما ذهب إليه البعض من أنه لا شك أن إشارات القرآن الكريم إلى كثير من القصص ، إنما هو دليل على أنها كانت من القصص الشعبي السائد الذي كان يتداوله الناس في بلاد العرب (٤) ، ذلك لأن العرب ما كانوا يعرفون شيئا عن كثير من قصص القرآن ، وعلى سبيل المثال ، فإن القرآن الكريم يختم قصة نوح بقوله تعالى (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا» ، فلو كان العرب يعرفون هذه القصة مثلا ، وأنها كانت من قصصهم الشعبي الذي يتداولونه في أسمارهم ، أفكان العرب ـ وفيهم أشد أعداء النبي ـ من يسكت على قوله تعالى (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا»؟ أليس من المنطق أن أعداء المصطفى ، (صلىاللهعليهوسلم) ـ وقد كانوا دائما على يقظة يتمنون أقل ثغرة ، ليوجهوا من خلالها ضرباتهم ، ويحولوها إلى سخرية واستهزاء ـ سوف يجيبونه أنهم يعرفون القصة ، بل وأنها من أساطيرهم التي تفيض بها مجالسهم ونواديهم ، ولكن التاريخ لم يحدثنا عمن أنكر على الرسول هذه الآية الكريمة ، مما يدل على أن ما جاء به القرآن الكريم
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٤٨ ، وأنظر تفسير أبي السعود ٣ / ٣٣ وتفسير الكشاف ١ / ٦٣٩ ـ ٦٤٠ ، تفسير روح المعاني ٦ / ١٥١ ـ ١٥٥ ، تفسير الطبرسي ٦ / ١١٠ ـ ١١٣ ، في ظلال القرآن ٦ / ١٧٨ ـ ١٨٢ (دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ١٩٦١) ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٧٧ ـ ٣٩١ (دار المعارف ـ القاهرة ١٩٥٧)
(٢) سورة الإنعام : آية ٩٢
(٣) سورة فاطر : آية ٣١
(٤) الأدب العربي الحديث ص ٣٠٢ (من مقررات طلاب البكالوريا الأدبية السورية) ، محمد سعيد رمضان البوطي : من روائع القرآن ـ دمشق ١٩٧٢ ، ص ٢٣٧.