جوعهم ولا ظمأهم ، ولم يكذبوا بألسنتهم ، ولم يغضبوا على ربهم ، ولم يغتمُّوا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما آتاهم.
يا أحمد ، محبتي محبة للفقراء. فادنِ الفقراء وقرِّب مجلسهم منك أدنك ، وبعِّد الأغنياء وبعِّد مجلسهم منك ، فإن الفقراء أحبّائي.
يا أحمد ، لا تتزيَّن بلين اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء ، فإن النفس مأوى كل شرٍّ ، وهي رفيق كل سوء. تجرُّها إلى طاعة الله وتجرُّك إلى معصيته ، وتُخالفك في طاعته وتُطيعك فيما تكره ، وتَطغى إذا شبعَت ، وتَشكو إذا جاعَت ، وتَغضب إذا افتقرَت ، وتَتكبَّرإذا استغنَت ، وتَنسى إذا كبرَت ، وتَغفل إذا أمِنَت، وهي قرينة الشيطان.
ومثل النفس كمثل النعامة ؛ تأكل الكثير وإذا حمل عليها لا تطير ، ومثل الدِّفلي ١ ؛ لونه حسن وطعمه حُرٌّ.
يا أحمد ، أبغِض الدنيا وأهلها ، وأحبِّ الآخرة وأهلها.
قال : يا رب ، ومن أهل الدنيا ، ومن أهل الآخرة؟
قال : أهل الدنيا مَن كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه ، قليل الرضا ، لا يعتذر إلى من أساء إليه ولا يقبل معذرة من اعتذر إليه ، كَسلان عند الطاعة ، شجاع عند المعصية ، أمله بعيد وأجله قريب ، لا يحاسب نفسه ، قليل المنفعة ، كثير الكلام ، قليل الخوف ، كثير الفرح عند الطعام. وإن أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء ، ولا يصبرون عند البلاء ، كثير الناس عندهم قليل ، يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون ، ويدَّعون بما ليس لهم ، ويتكلَّمون بما يتمنَّون ، ويذكرون مساوي الناس ، ويخفون حسناتهم.
قال : يا رب ، هل يكون سوى هذا العيب في أهل الدنيا؟
قال : يا أحمد ، إن عيب أهل الدنيا كثير : فيهم الجهل ، والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلَّمون منه ، وهم عند أنفسهم عقلاء وعند العارفين حمقاء.
__________________
١. بكسر الدال وسكون الفاو والف مقصورة ، نبت زهره الورد الأحمر. يقال له بالفارسية «خرزهره». ورقها كورق الخلاف ، مرُّالطعم ، محلل ، ينتفع به في الحكة والجرب.