يا أحمد ، الورع يفتح على العبد أبواب العبادة. فيكرم به عند الخلق ، ويصل به إلى الله عز وجل.
يا أحمد ، عليك بالصمت ، فإن أعمر القلوب قلوب الصالحين والصامتين ، وإن أخرب القلوب قلوب المتكلِّمين بما لا يعنيهم.
يا أحمد ، إن العبادة عشرة أجزاء ، تسعة منها طلب الحلال. فإذا طيَّبت مطعمك ومشربك فأنت في حفظي وكنفي.
قال : يا رب ، ما أول العبادة؟
قال : أول العبادة الصمت والصوم.
قال : يا رب ، وما ميراث الصوم؟
قال : الصوم يورث الحكمة ، والحكمة تورث المعرفة. والمعرفة تورث اليقين ، فإذا استَيقَن العبد لا يبالي كيف أصبح ؛ بعُسر أم بيُسر.
وإذا كان العبد في حالة الموت ، يقوم على رأسه ملائكة ، بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر. من الخمر يُسقَون روحه حتى تذهب سكرته ومرارته ، ويبشِّرونه بالبشارة العظمى ، ويقولون له : طِبتَ وطاب مثواك ، إنك تقدم على العزيز الحكيم الحبيب القريب. فتَطير الروح من أيدي الملائكة ، فتصعد إلى الله تعالى في أسرع من طرفة عين ، ولا يبقي حجاب ولا ستر بينها وبين الله تعالى ، والله عز وجل إليها مشتاق ، وتجلس على عين عند العرش.
ثميقال لها : كيف تركت الدنيا؟
فتقول : إلهي ، وعزتك وجلالك ، لا علم لي بالدنيا ، أنا منذ خلقتني خائفة منك.
فيقول الله تعالى : صدقت عبدي ، كنتَ بجسدك في الدنيا وروحك معي ، فأنت بعيني سرُّك وعلانيتك. سل أُعطَك وتمنَّ عليَّ فأُكرمك. هذه جنتي فتجنح فيها ، وهذا جواري فأسكنه.
فتقول الروح : إلهي ، عرَّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك. وعزتك وجلالك ، لو كان رضاك في أن أقطع إرباً إرباً وأُقتَل سبعين قتلة بأشدِّ ما يقتل به الناس ، لكان