أهل للعبادة ؛ كأنما ينظرون إلى من فوقها.
قال : يا رب ، هل تعطي لأحد من أُمتي هذا.
قال : يا أحمد ، هذه درجة الأنبياء والصديقين من أمتك وأمة غيرك وأقوام من الشهداء.
قال : يا رب ، أيُّ الزّهاد أكثر : زهاد أمتي أم زهاد بني إسرائيل؟
قال : إن زهّاد بني إسرائيل في زهاد أمتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء.
فقال : يا رب ، كيف يكون ذلك! وعدد بني إسرائيل أكثر من أمتي؟
قال : لأنهم شكُّوا بعد اليقين ، وجحدوا بعد الإقرار.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فحمدت الله للزاهدين كثيراً وشكرته ودعوت لهم ، فقلت : اللهم احفَظهم وارحَمهم واحفَظ عليهم دينهم الذي ارتضيتَ لهم. اللهم ارزُقهم إيمان المؤمنين الذي ليس بعده شك وزيغ ، وورعاً ليس بعده رغبة ، وخوفاً ليس بعده غفلة ، وعلماً ليس بعده جهل ، وعقلاً ليس بعده حمق ، وقرباً ليس بعده بُعد. وخشوعاً ليس بعده قساوة ، وذكراً ليس بعده نسيان ، وكرماً ليس بعده هوان ، وصبراً ليس بعده ضجر ، وحلماً ليس بعده عجلة. واملأ قلوبهم حياءاً منك حتى يستحيوا منك كل وقت ، وتبصرهم بآفات الدنيا وآفات أنفسهم ووساوس الشيطان ، فإنك تَعلم ما في نفسي وأنت علّام الغيوب.
يا أحمد ، عليك بالورع ، فإن الورع رأس الدين ووسط الدين وآخر الدين. إن الورع يقرِّب العبد إلى الله تعالى.
يا أحمد ، إن الورع كالشنوف ١ بين الحليِّ والخبز بين الطعام. إن الورع رأس الإيمان وعماد الدين. إن الورع مَثله كمثل السفينة ؛ كما أن في البحر لا ينجو إلا من كان فيها ، كذلك لا ينجو الزاهدون إلا بالورع.
يا أحمد ، ما عرفني عبد وخشع لي إلا وخشعت له.
__________________
١. جمع «الشنف» ، وهي حليُّ الأذن.