وذكراً لا يخالطه النسيان ، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين.
فإذا أحبَّني أحببتُه ، وأفتح عين قلبه إلى جلالي ، ولا أخفى عليه خاصة خلقي ، وأُناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم ، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي ، وأُعرِّفه السرِّ الذي سترته عن خلقي ، ألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم ، ويمشي على الأرض مغفوراً له ، وأجعل قلبه واعياً وبصيراً ، ولا أخفى عليه شيئاً من جنة ولا نار ، وأُعرِّفه مما يمرُّ على الناس في يومالقيامة من الهول والشدة وما أُحاسب الأغنياء والفقراء والجهّال والعلماء ، وأُنوِّمه في قبره ، وأنزل عليه منكراً ونكيراً حتى يسألاه ، ولا يرى غمرة الموت ١ وظلمة القبر واللحد وهول المطَّلع ٢.
ثم أنصِبله ميزانه وأُنشر ديوانه. ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشوراً. ثم لا أجعل بيني وبينه ترجماناً. فهذه صفات المحبين.
يا أحمد ، إجعل همَّك همّاً واحداً ، فاجعل لسانك لساناً واحداً ، واجعل بدنك حيّاً لا تَغفل عنِّي ، من يغفل عنِّي لا أُبالي بأيِّ واد هلك.
يا أحمد ، استعمِل عقلك قبل أن يذهب ، فمن استعمل عقله لا يخطي ولا يعغي.
يا أحمد ، ألم تَدرِ لأيِّ شيء فضَّلتُك على سائر الأنبياء؟
قال : اللهم لا.
قال : باليقين ، وحسن الخلق ، وسخاوة النفس ، ورحمة الخلق ، وكذلك أوتاد الأض ؛ لم يكونوا أوتاداً إلا بهذا.
يا أحمد ، إن العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه ، علَّمتُه الحكمة. وإن كان كافراً تكون حكمته حجة عليه ووبالاً ، وإن كان مؤمناً تكون حكمته له نوراً وبرهاناً وشفاءاً ورحمة. فيعلم ما لم يكن يعلم ، ويبصر ما لم يكن يبصر. فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشتغل
__________________
١. «الغمرة» هي الشدة ، وغمرات الموت شدائده.
٢. «المطَّلع» هو موضع الإطلاع من إشراف ، وهو موقف القيامة الذي يحصل الإطلاع عليه.