هذا وما وقع من ابن تيميّة ممّا ذكر وإن كان عثرة لا تُقال أبداً ، ومصيبة يستمرُّ شؤمها سرمداً ، وليس بعجيب فإنَّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنَّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنَّه أتى بأقبح المعائب ، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمّتهم سيّما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة ، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزَّه سبحانه عن كلِّ نقص والمستحقِّ لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظائم ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامّة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدِّمين والمتأخِّرين ، حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثمّ انتصر له اتباع لم يرفع الله لهم رأساً ، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً ، بل ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
٢٥ ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفّى (٩٧٧) ، في مغني المحتاج (١)) (١ / ٣٥٧ : ومحلّ هذه الأقوال (٢) في غير زيارة قبر سيّد المرسلين ، أمّا زيارته فمن أعظم القربات للرجال والنساء ، وألحق الدمنهوري به قبور بقيّة الأنبياء والصالحين والشهداء ، وهو ظاهر وإن قال الأذرعي : لم أره للمتقدِّمين ، قال ابن شهبة : فإن صحَّ ذلك فينبغي أن يكون زيارة قبر أبويها وإخوتها وسائر أقاربها كذلك فإنَّهم أولى بالصلة من الصالحين. انتهى. والأولى عدم إلحاقهم بهم لما تقدّم من تعليل الكراهة (٣).
وقال (٤) في (ص ٤٩٤) بعد بيان مندوبيّة زيارة قبره الشريف صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكر جملة
__________________
(١) مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.
(٢) يعني الأقوال في زيارة القبور للنساء من الندب والكراهة والحرمة والإباحة. (المؤلف)
(٣) من أنّها مظنّة لطلب بكائهنّ ورفع أصواتهنّ لما فيهنّ من رقّة القلب وكثرة الجزع. قال الأميني : هذا التعليل عليل جدّا ، كما يأتي بيانه في كلمة ابن حجر في زيارة القبور. (المؤلف)
(٤) مغني المحتاج : ١ / ٥١٢.