هنيئا لكم يا أهل غزنة قسمة |
|
خصصتم بها فخرا ونلتم بها عزّا |
دراهمنا تجبى إليكم وثلجكم |
|
يردّ إلينا ، هذه قسمة ضيزى |
وإن القحط الذي وقع بنيسابور سنة إحدى وأربع مئة ، إنما كان سببه تلف الغلال من ذلك البرد ، وقد عمّ ذلك القحط أيضا خراسان والعراق ، لكنه كان شديدا في نيسابور ونواحيها ، حتى إنه أحصي عدد الذين ماتوا بنيسابور من الناس فبلغوا أكثر من مئة ألف وسبعة ـ كما ذكر ذلك أبو النصر العتبيّ في كتاب اليميني (١) ـ وقيل إن عددا من المقابر قد فتحت وأخرجت العظام البالية منها للاستفادة منها ، وبلغ الحال أن الأمهات والآباء كانوا يأكلون أولادهم ، وقد ذكر الإمام أبو سعد الخركوشيّ في تاريخه (٢) ، أن كل محلة كانت تنقل في اليوم ما يزيد على أربع مئة جنازة إلى المقابر.
ولم يكن سبب ذلك القحط هو قلة الطعام فحسب ، بل استيلاء الجوع الكلبي على الناس.
ورد في كتاب اليميني بأنه كان هناك في تلك الأيام طباخ في السوق وضع عدة أمنان من أصناف من الخبز في دكانه ، إلا أن أحدا لم يشتر منها ، على الرغم من أن ثمن
__________________
(١) في اليميني «أن الموتى كانوا مائة ألف أو يزيدون ... ثم ترقى الأمر إلى أن أكلت الأم ولدها والأخ أخاه والزوج زوجته» (الورقتان ١٤٦ أ ـ ١٤٦ ب) ولا يخلو كلامه من مبالغة إذ أن العاطفة الإنسانية تأبى ذلك أشد الإباء. وبعد أن فصل العتبيّ الكلام فيما أنزله ذلك القحط بالناس من كوارث قال إن السلطان محمود الغزنويّ «أمر بالكتب إلى عماله بصبّ الأموال على الفقراء والمساكين ، فاستبقى الله بها مهجات قوم قد أشرفت على الهلاك» (الورقة ١٤٨ أ ، انظر أيضا : مجمل فصيحي ، ٢ / ١١٥).
(٢) هو عبد الملك بن محمد المتوفى سنة ٤٢٧ ه ، وقد نقل من تاريخه هذا في لباب الأنساب (٢ / ٤٩٢) دون أن يحدد له عنوانا. ومع ذلك يوجد في اليميني نص يقول : «وحكي عن الأستاذ أبي سعيد عبد الملك بن [أبي] عثمان الواعظ ... أنه نقل من دار كان يسكنها المرضى والزمنى من الفقراء وأبناء السبيل في يوم واحد من أيام هذه السنة أربع مئة ميت من برح الجوع» (الورقة ١٤٧ ب). ويبدو أن تلك الدار هي التي كان قد بناها للمرضى ووقف عليها الأوقاف (سير أعلام النبلاء ، ١٧ / ٢٥٧ ، الأعلام ، ٤ / ١٦٣).