سبعة عشر منا من الخبز كان ربع درهم ، كان الناس لا يشبعون مهما أكلوا من الطعام ، قال العبد لكاني الزّوزنيّ (١) في هذه الأبيات يصف ذلك القحط :
لا تخرجنّ من البيوت لحاجة ولغير حاجه |
|
والباب أغلقه عليك موثّقا منه رتاجه |
لا يقتنصك الجائعون فيطبخوك بشور باجه (٢) |
يقول الشيخ أبو الفضل البيهقيّ : لا ينبغي لمن هو في خدمة السلطان أن يدخر الأموال ، لأن ذلك يجعله شريكا في الملك ، فتكديس الخزانة بالأموال والذخائر من [١٧٧] صفات وعادات الملوك ؛ كما لا ينبغي له أن يمتلك الضياع والعقارات ، لأن ذلك من أعمال الرعية ؛ وخادم السلطان له درجة هي بين الرعية والسلطان ، فهو فوق الرعية إلا أنه أدنى من السلطان ، ولا ينبغي لتشبهه بالسلطان أن يجعله يدخر الأموال ، ولا لتشبهه بالرعية أن يقتني الضياع والعقارات ، بل يكتفي بالأجر المقرر ، وأن يقتصد في التصرف به من خلال الجاه ونفاذ الأمر. والاقتصاد في خدمة السلاطين هو أن لا يصل حدّ الطمع ، أو أن يكسب الدنيا بهذا الجاه ، فالجاه إن أصبح سببا لكسب الدنيا ، سيؤدي إلى زوال الجاه والمال معا ، وربما أدى إلى هلاك النفس.
وحيثما كانت دار الملك فيجب على الملك أن يعمرها ، لكي لا يقع عبء ذلك على الرعية ، وحيثما أقام الملك أو سافر فإن من المصلحة أن يكون معه مجموعة من الأغنام ، تعطى إلى من سدت بوجهه باب المروءة والضيافة لضيق ذات يده ، وأن يزيد له السلطان شيئا على المقرر له ، ليظهر مروءته إضافة إلى سدّ النقص المبتلى به.
__________________
(١) هو عبد الله بن محمد بن يوسف الزّوزنيّ العبدلكاني (يتيمة الدهر ، ٤ / ٥١٧ ، تتمة يتيمة الدهر ، ٢١٦ ، الأعلام ، ٤ / ١٢١). وهو مؤلف حماسة الظرفاء من أشعار المحدثين والقدماء المطبوع. وشعره أعلاه موجود في اليميني (الورقة ١٤٧ ب).
(٢) الحساء أو المرق.