وخلف أباه في أشغال الطلبة بهذه المدرسة وغيرها والافتاء ، قال الذهبي في معجم شيوخه : ناب في مشيخة دار الحديث أشهرا ، فبهرت معرفته ، وخضع له الفضلاء ، ومناقبه يطول شرحها ، توفي رحمهالله تعالى بالبادرائية في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، ودفن عند أبيه وعمه.
قال ابن كثير في سنة خمس وسبعمائة : وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية الفزاري الخطابة عوضا عن عمه شرف الدين المتوفى وخلع عليه بذلك ، وباشر يوم الجمعة ثالث عشر الشهر ، وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها القاضي والأعيان ، ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البادرائية حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه ، فبقي منصب الخطابة شاغرا ، ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب ، ودخل عيد الفطر وليس للناس خطيب ، وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك في المرسوم بالزامه بذلك ، وفيه : «لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية» ، فباشرها في صفر كمال الدين ابن الشيرازي وسعى في البادرائية فأخذها وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني ، فعزل الفزاري نفسه من الخطابة ولزم بيته ، فراسل نائب السلطنة في ذلك ، فصمم على العزل وأنه لا يعود إليها أبدا : وذكر أنه عاجز عنها ، فلما تحقق ذلك نائب السلطنة أعاد إليه مدرسته ، وكتب له بها توقيعا في العشر الأول من ذي الحجة انتهى.
والشيخ كمال الدين بن الشيرازي الذي درس بها مدة يسيرة هو الصدر الكبير العالم أبو القاسم أحمد ابن الصدر عماد الدين محمد بن محمد بن الشيرازي ، ولد سنة سبعين (بتقديم السين) وستمائة ، وسمع من جماعة ، وحفظ من مختصر المزني (١) وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري وزين الدين الفارقي ، وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي ، ودرّس في وقت بالشامية البرانية ، ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته ،
__________________
(١) شذرات الذهب ٢ : ١٤٨.