خامس عشرين شهر رجب درّس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف ويعرف بابن الوحيد الزرعي عوضا عن ابن جهبل توفي في الشهر الماضي وحضر عنده القضاة وجمع من الفقهاء والأعيان انتهى كلامهما. ثم ولي تدريسها في سنة إحدى وأربعين الكمال بن الشريشي ، وقد تقدمت ترجمته في دار الحديث الناصرية ، ثم درّس بها شيخ الشافعية ولده شرف الدين ، ميلاده بحمص سنة تسع (بتقديم التاء) وعشرين وسبعمائة ، أخذ العلم عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وأضرابهما من مشايخ عصره ، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان وشارك في ذلك كله مشاركة قوية ، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس ، ودرّس بالناصرية في شهر ربيع الأول سنة خمسين نزل له والده عنها كما سيأتي فيها ، واستمر يدرّس بها إلى حين وفاته ، وناب للقاضي تاج الدين في آخر عمره ومن بعده درّس بالرواحية مدة يسيرة ، ولازم الأشغال والافتاء واشتهر بذلك وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات ، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة ، ونقل عن الشيخ زين الدين القرشي أنه قال : يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشريشي ، وتخرج به خلق كثير من فقهاء البادرائية وغيرهم ، وكتب بخطه أشياء كثيرة ، وكان محببا إلى الناس ، ليس فيه شيء من الشر بل كله خير كثير ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدين الزهري (١) رئاسة الشافعية.
قال الحافظ شهاب الدين بن حجي : لازم القاضي تاج الدين وحضر حلقته فاستنابه في الحكم قبل موته بيسير ، واستمر ينوب عن القضاة التي بعده نحو عشرين سنة ، وتصدر للاشتغال بالجامع ، وأفتى واشتهر بالافتاء ، وكان ساكنا وقورا قليل الشر ريّض الأخلاق ، ولديه مشاركة حسنة في الأصول والعربية والأدب انتهى. توفي رحمهالله تعالى في صفر سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، ودفن بتربتهم في الصالحية مقابل جامع الأفرم في السفح. ثم درّس بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الحلبي ثم الدمشقي قاضي كرك نوح على نبينا
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٣٣٨.