البقاعي الفاري الأصل الدمشقي ، مولده سنة سبع وستين وسبعمائة ، وحفظ التمييز للبارزي وغيره ، وأخذ عن والده وعن الشيخ نجم الدين بن الجابي ، وعن الشيخ شرف الدين بن الشريشي وغيرهم من مشايخ العصر هو وأخوه القاضي جمال الدين ونشأ على طريقة حسنة وملازمة لطلب العلم ، وأنهى في هذه المدرسة مع أخيه جمال الدين ومعهما الشيخ شهاب الدين بن نشوان والشيخ نجم الدين بن زهرة (١) وغيرهم بسؤال الشيخ شهاب الدين بن حجي ، وحضر قراءة المختصر على والده ، وفرغ منه في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين ، ودرّس بالعادلية الصغرى في حياة والده ، وناب عن والده في القضاء في تلك المدة اليسيرة ، ثم ناب بعد ذلك في القضاء مدة طويلة ، ونزل له والده عند موته عن نصف تدريس الشامية ولأخيه جمال الدين ، فباشر ذلك ، ثم توفي أخوه ، فنزل له عند موته عن تدريسها الآخر ، وعن القليجية وقضاء العسكر وغير ذلك ، واستمر على ذلك بعد الفتنة ، وكان يكتب كتابة حسنة ، وتصدى للإفتاء وكان يستحضر التمييز إلى آخر وقت وذهنه جيد ، وكان عاقلا ساكنا كثير التلاوة ، ويقوم الليل ، وعنده حشمة وأدب ، ولسانه طاهر ، وقد ولّاه الأمير نوروز القضاء بعد وفاة ابن الأخنائي في شهر رجب سنة ست عشرة ، فباشره إلى أن قدم المؤيد (٢) في أول السنة الآتية ، وباشر بعفة ، ولكن نقم بعض الناس ولايته على هذا الوجه ، توفي بمنزله بالصالحية بالجسر الأبيض ، يوم الجمعة ثالث عشريه قبل الصلاة بسبب الفجأة ، فانه كان له مدة منقطعا بسبب نزلة ، ثم عوفي ودخل الحمام وركب ، فلما كان في أول هذا اليوم تغير حاله ومات ، وصلي عليه على باب الماردانية ، أمّ بالناس عليه قاضي القضاة الشافعي يعني نجم الدين بن حجي ، ثم صلي عليه ثانيا بجامع يلبغا بعد صلاة العصر ، وحضر هناك خلق عظيم ، ثم صلي عليه ثالثا بجامع تنكز ، وحضر هناك النائب والأمراء ، وأمّ عليه الشيخ محمد قديدار ، وحمل الأمراء
__________________
(١) شذرات الذهب ٧ : ١٩٥.
(٢) شذرات الذهب ٧ : ١٦٤.