لم تهبه ريب المنون فباد ال |
|
ملك عنه فبابه مهجور |
وتذكر رب الخورنق إذ أش |
|
رف يوما وللهدى تفكير |
سرّه ماله وكثرة ما يم |
|
لك والبحر معرض والسّدير |
فارعوى قلبه فقال وما غب |
|
طة حيّ إلى الممات يصير |
ثم أضحوا كأنهم ورق جفّ |
|
فألوت به الصّبا والدّبور |
ثم بعد الفلاح والملك وال |
|
أمة وارتهم هناك القبور |
قال : فبكى والله هشام ، حتى أخضل لحيته وبلّ عمامته ، وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزم قصره ، قال : فأقبلت الحشم والموالي على خالد بن صفوان بن الأهتم ، فقالوا : ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته ونقضت عليه باديته قال : إليكم عني فإني عاهدت الله تعالى عهدا أن لا أخلو بملك إلّا ذكرته الله عزوجل.
أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة ، وقرأ عليّ إسناده ـ أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا (١) ، نا أبي ، نا أبو أحمد الختّلي ، نا أبو حفص النّسائي ، حدّثني محمّد بن عمرو ، عن الهيثم بن عدي ، قال : خرج هشام بن عبد الملك ومعه مسلمة أخوه إلى مصانع (٢) قد هيئت له وزيّنت بألوان النبت ، وتوافى إليه بها وفود أهل مكّة والمدينة ، وأهل الكوفة ، والبصرة ، قال : فدخلوا عليه وقد بسط له في مجالس مشرفة مطلعة على ما شقّ له من الأنهار المحفة بالزيتون وسائر الأشجار فقال :
يا أهل مكّة أفيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا : لا ، غير أن بنينا بيت الله المستقبل : ثم التفت (٣) إلى أهل المدينة ، فقال : أفيكم مثل هذه المصانع؟ فقالوا : لا ، غير أن فينا قبر نبينا المرسل صلىاللهعليهوسلم ، ثم التفت إلى أهل الكوفة فقال : أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال : فقالوا : لا غير أن فينا تلاوة كتاب الله تعالى المنزل ، ثم التفت إلى أهل البصرة فقال : أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال : فقام إليه خالد بن صفوان ، فقال : أصلح الله أمير
__________________
(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٤٣ ـ ٤٥.
(٢) المصانع : أحباس الماء ، وقيل : القرى ، وقيل : الحصون (انظر اللسان : صنع).
(٣) من : يا أهل مكّة إلى هنا سقط من الجليس الصالح.