دريد ، أنا أبو حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : لما قتل علي بن أبي طالب أراد معاوية الناس على بيعة يزيد فتثاقلت ربيعة ولحقت بعبد القيس بالبحرين ، واجتمعت بكر بن وائل إلى خالد بن المعمّر ، فلما تثاقلت ربيعة تثاقلت العرب أيضا ، فضاق معاوية بذلك ذرعا ، فبعث إلى خالد فقدم عليه ، فلما دخل عليه رحب به وقال : كيف ما نحن فيه؟ قال : أرى ملكا طريفا وبغضا تليدا ، فقال معاوية : قل ما بدا لك ، فقد عفونا عنك ، ولكن ما بال ربيعة أول الناس في حربنا وآخرهم في سلمنا؟ قال له خالد : إنما أتيتك مستأمنا ولم آتك مخاصما ولست للقوم بحري في حجتهم ، وإن ربيعة إن تدخل في طاعتك تنفعك وإن تدخل كرها تكن قلوبها عليك ، وأبدانها لك فأعط الأمان عامّتهم : شاهدهم وغائبهم ، وأن ينزلوا حيث شاءوا فقال : أفعل فانصرف خالد إلى قومه بذلك ، ثم ان معاوية بدا له فبعث إلى خالد فدعاه ، فلما دخل إليه قال : كيف حبّك لعلي؟ قال : أعفني يا أمير المؤمنين مما أكره فأبى أن يعفيه (١) ، فقال : أحبه والله على حلمه إذا غضب ، ووفائه إذا عقد ، وصدقه إذا أكّد ، وعدله إذا حكم ، ثم انصرف ، ولحق بقومه وكتب إلى معاوية :
معاوي لا تجهل علينا فإننا |
|
يد لك في اليوم العصيب معاويا |
متى تدع فينا دعوة ربيعة |
|
يجبك رجال (٢) يخضبون العواليا |
أجابوا عليّا إذ دعاهم لنصره |
|
وجرّوا بصفّين عليك الدّواهيا |
فإن تصطنعنا يا بن حرب لمثلها |
|
نكن خير من تدعو إذا كنت داعيا |
ألم ترني أهديت بكر بن وائل |
|
إليك وكانوا بالعراق أفاعيا |
إذا نهشت قال السليم لأهله |
|
رويدا فإني لا أرى لي ، راقيا |
فأضحوا وقد أهدوا ثمار قلوبهم |
|
إليك وأفراق (٣) الذنوب كما هيا |
ودع عنك شيخا قد مضى لسبيله |
|
على أي حاليه مصيبا وخاطيا |
فإنك لا تستطيع ردّ الذي مضى |
|
ولا دافعا شيئا إذا كان جائيا |
وكنت امرأ تهوى العراق وأهله |
|
إذا أنت حجازي فأصبحت شاميا (٤) |
__________________
(١) عن مختصر ابن منظور ٧ / ٣٩٨ وابن العديم ٧ / ٣١١٨ وبالأصل : يعقبه.
(٢) بالأصل : «تجبك رجالا» والمثبت عن المختصر وابن العديم.
(٣) أفراق الذنوب : في القاموس : الفرقة الطائفة من الناس جمع فرق ، وجمع في الشعر على أفارق ، جمع الجمع أفراق. وجمع جمع الجمع أفاريق.
(٤) الأبيات في ابن العديم ٧ / ٣١١٨.