فقال أبو بكر : أحبّ أن تدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون ، فقال : موعدك العشية أبايعك. فجاء وأبو بكر على المنبر فبايعه ، وكان رأي أبي بكر فيه حسنا ، وكان معظّما له ، فلما بعث أبو بكر الجنود على الشام عقد له على المسلمين وجاء باللواء إلى بيته. فكلّم عمر أبا بكر وقال : تولّي خالدا وهو القائل ما قال؟ فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدّوسي ، فقال : إن خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لك : اردد إلينا لواءنا ، فأخرجه فدفعه إليه ، فقال : والله ما سرتنا ولايتكم ولا ساءنا عزلكم ، وإن المليم لغيرك ، فما شعرت إلّا بأبي بكر داخل على أبي يعتذر إليه ، ويعزم عليه أن لا يذكر عمر بحرف. فو الله ما زال أبي يترحم على عمر حتى مات.
قال (١) : وأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن يزيد ، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف ، قال : لما عزل أبو بكر خالدا ولّى يزيد بن أبي سفيان جنده ودفع لواءه إلى يزيد.
قال (٢) : وأنا محمّد بن عمر ، أخبرني موسى بن محمّد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبيه ، قال : لما عزل أبو بكر خالد بن سعيد أوصى به شرحبيل بن حسنة ، وكان أحد الأمراء ، فقال : انظر خالد بن سعيد فاعرف له من الحق عليك مثل ما تحب (٣) أن يعرفه لك من الحق عليه لو خرج واليا عليك ، وقد عرفت مكانه من الإسلام ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم توفي وهو له وال ، وقد كنت ولّيته ثم رأيت عزله ، وعسى أن يكون ذلك خيرا له في دينه ، ما أغبط أحدا بالإمارة ، وقد خيرته في أمراء (٤) الأجناد فاختارك على غيرك على ابن عمه ، فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح فليكن أول من تبدأ به أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل وليك خالد بن سعيد ثالثا ، فإنك واجد عندهم نصحا وخيرا ، وإياك واستبداد الرأي عنهم أو تطوي عنهم بعض الخبر.
قال محمّد بن عمر : فقلت لموسى بن محمّد : أرأيت قول أبي بكر قد اختارك على غيرك؟ قال : أخبرني أبي أن خالد بن سعيد لما عزله أبو بكر كتب إليه : أي الأمراء
__________________
(١) المصدر نفسه ص ٩٧ ـ ٩٨.
(٢) المصدر نفسه ص ٩٨.
(٣) عن ابن سعد وبالأصل وم : يحب.
(٤) عن ابن سعد وم وبالأصل : الأمراء.