عن خالد بن صفوان بن الأهتم ، قال (١) : أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق فقدمت عليه وقد خرج متبدّيا (٢) بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته (٣) من جلسائه فنزل في أرض قاع صحصح (٤) متنايف (٥) أفيح (٦) في عام قد بكّر وسميّه (٧) ، وتتابع وليّه (٨) ، وأخذت الأرض زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق ، فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد ، كأن ترابه قطع الكافور ، حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب ، وقد ضرب له سرادق من حبر كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن ، فيه أربعة أفرشة من خزّ أحمر مثلها مرافقها ، وعليه درّاعة (٩) من خزّ أحمر مثلها عمامتها ، وقد أخذ الناس مجالسهم.
فأخرجت رأسي من ناحية السّماط ، فنظر إليّ مثل المستنطق لي فقلت : أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة. وسوّغكها بشكره ، وجعل ما قلّدك من هذا الأمر رشدا ، وعافية (١٠) ما تؤول إليه حمدا ، أخلصه لك بالتقى وكثّره لك بالنماء ، لا كدّر عليك منه ما صفا ، ولا خالط مسروره الردى (١١) ، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا ، إليك يفزعون في مظالمهم ، وإليك يلجئون في أمورهم ، وما أجد يا أمير المؤمنين ـ جعلني الله فداك ـ شيئا هو أبلغ عن قضاء حقك ، وتوقير مجلسك ، لما منّ الله عليّ من مجالستك والنظر إلى وجهك ، من أن أذكرك نعمة الله عندك ، فأنبهك على شكرها ، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ في حديث من تقدم قبلك من الملوك ، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته.
وكان متكئا فاستوى قاعدا فقال : هات يا ابن الأهتم ، فقلت يا أمير المؤمنين : إنّ
__________________
(١) الخبر في معجم الأدباء ١١ / ٢٨ ـ ٢٩ ونقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٠٤٤ ـ ٣٠٤٥.
(٢) إعجامها غير واضح بالأصل ، والمثبت عن المصدرين السابقين.
(٣) الأصل : وعاشيته ، والمثبت عن المصدرين السابقين ، والغاشية : من يختلف إليه من القوم.
(٤) الصحصح : الأرض المستوية.
(٥) في معجم الأدباء : تنائف.
(٦) الأفيح : الواسع.
(٧) الوسمي : مطر الربيع.
(٨) الولي : المطر يسقط بعد المطر.
(٩) الدراعة : الجبة مشقوقة المقدم.
(١٠) معجم الأدباء وابن العديم : وعاقبة.
(١١) معجم الأدباء : ولا خلط سروره بالردى.